فهد الدغيثر
فهد الدغيثر
كاتب سعودي

«العقارية» السعودية.. «إعمار» الإماراتية

آراء

الذي أحاول توضيحه في هذه المقالة هو الفرق بين شركتين للتطوير العقاري في منطقتنا (الخليج)، ومحاولة إلقاء الضوء على العوامل التي ساعدت واحدة على النمو الهائل وهي الأصغر عمراً بما يزيد على 20 عاماً، بينما أبقت على الأخرى تراوح مكانها. الأولى هي الشركة العقارية السعودية «العقارية» التي أُسست في عام 1976 في مدينة الرياض، والأخرى هي شركة «إعمار» التي أُسست في عام 1997 في دبي في الإمارات.

حاولت في بحثي أن أجد معلومات تشير إلى تطور الشركتين ومراحل القفزات التي مرت بهما. في هذا البحث لم أجد الكثير عن نشاط «العقارية» (760 موظفاً) غير تطويرها للمجمع التجاري في شارع الستين أولاً، ثم في منطقة العليا في الرياض والتوسع الذي حدث لهذا الموقع على مراحل عدة. هذا طبعاً إضافة إلى نشاطات متنوعة، منها المشروع السكني الصغير المجاور للمجمع وتملك بعض الأراضي ومن ثم بيعها ودخولها مساهماً في شركات عاملة عدة في المملكة. رأس المال المعلن لهذه الشركة 1.2 بليون ريال، مدفوعةً بالكامل وتملك الحكومة السعودية من ذلك 70 في المئة. أما مبيعاتها للعام الماضي فبلغت 258 مليون ريال وبأرباح صافية بلغت 156 مليون ريال، وهو هامش ربح مرتفع ربما بسبب صفقة غير عادية.

لنعرّج إلى «إعمار» (420 موظفاً) التي بلغت مبيعاتها للعام الماضي أكثر من 10 بلايين، بصافي ربح بلغ 260 مليون درهم إماراتي. قصة نمو هذه الشركة تشرح لنا بإيجاز قصة نمو قطاع التطوير العقاري بأكمله في دبي. أول مشروع لها تم التخطيط له في عام 1999 كان «تلال الإمارات»، وهو مجمع سكني كبير ويعرفه الكثيرون، وقد وقفت شخصياً على العرض المقدم حينها واسترعى انتباهي تصميم فلل «الميدوز» وكان سعر الوحدة 600 ألف درهم. الذي قد لا يعرفه بعضنا أن موقع هذا المشروع يبعد عشرات الكيلومترات عن المدينة في منطقة صحراوية موحشة بكثبانها الرملية. على كل حال تم بيع الوحدات بأكملها قبل أن يتم البناء. اليوم سعر تلك الوحدة تجاوز خمسة ملايين درهم. المشروع الثاني هو «المارينا» في عام 1999، وهو عمارات سكنية جميلة قريبة جداً من مشروع «التلال»، ولا يميزها أي شيء عن الأخرى سوى قربها من الشاطئ. أيضاً تم بيع الوحدات كاملة في وقت قصير. بعد الإقبال الهائل على الشراء، وبعد افتتاح مجموعة الفطيم لـ«مول الإمارات» الفخم أتت فكرة مشروع «مول دبي» في عام 2004 تلاه التخطيط لمشروع «برج خليفة» والمنطقة الجميلة المحيطة به. هذا طبعاً يضاف إلى تأسيس «إعمار» شركات شقيقة في قطاع الضيافة والخدمات والتجزئة والصيانة، لعل أبرزها سلسلة فنادق «ذا أدرس» ومشاريع أخرى تبنتها الشركة، داخل الإمارات وخارجها، ومن أهمها مشروع «أب تاون كايرو» الضخم بالقرب من جبل المقطم في القاهرة. يقول الرئيس التنفيذي لإعمار محمد العبار في لقاء إعلامي سابق: «إن الشركة تؤسس ضواحي وقرى متكاملة للسكنى والمعيشة وليس مجرد منازل». لولا الأزمة المالية التي عصفت بأسواق العالم في عام 2008 لشاهدنا «إعمار» خلف الكثير من مثل هذه المشاريع الضخمة في دول من العالم.

من القرارات المفصلية التي اتخذتها الشركة رفع رأسمالها مرات عدة، حتى بلغ اليوم أكثر من 2.5 بليون درهم. ثم قرار السماح بتملك الأجانب إلى ما نسبته 49 في المئة من أسهمها، وهذا قرار سياسي طبعاً. ومن القرارات الأخرى التي لا تقل أهمية هو بيعها ما نسبته 70 في المئة من أسهم «بنك دبي» في نهاية 2005، وهو المصرف الذي كان مملوكاً للشركة بأكمله. لا أظن أن الكثيرين كانوا يعرفون ذلك. كيف لشركة تطوير عقاري أن تؤسس مصرفاً؟

إنها الإدارة، إنها المرونة في اتخاذ القرارات، وقبل كل ذلك الرؤية الواضحة، فهي تتصرف – على رغم ملكية الدولة اليوم لما يزيد قليلاً على 30 في المئة منها – بحرية كاملة وتغذّي قراراتها بدراسات مكثفة من أكبر الدور الاستشارية في العالم وأكثرها عراقةً. الأمر الأهم أن «إعمار» أو «نخيل» – وهي الشركة العملاقة الأخرى في التطوير ومالكة مشروع «نخلة جميرا» العملاق ومشروع «جميرا بيتش ريزيدانس» – وغيرها من المطورين في الإمارات دفعوا الحكومة إلى تحديث الأنظمة الرسمية. دائماً نكررها أن التنمية يقودها القطاع الخاص وأنه القطاع الذي يدفع الحكومات إلى مواكبة الحدث وتعديل ما يمكن تعديله من تشريعات لمواكبة هذا النمو. بعضنا يراها معكوسة، فهو يعتقد ويجادل أن الأنظمة هي التي تعوق التنمية. هذا صحيح إلى حد ما، لكن عجلة التنمية أقوى وأضخم وأشد تأثيراً. لم يكن لدى حكومة دبي بل ولا حكومة الإمارات قبل 20 عاماً كل هذه الأنظمة والتشريعات التي نراها اليوم. وقد تستغربون لو قلت لكم إن نظام الرهن العقاري لديهم تطور على أيدي تجارب هذه الشركات، حتى وصل اليوم إلى هذه المستويات العليا من الأمان. استثمارات هذه الشركات دفعت أيضاً إلى تطوير أنظمة الإقامة والهجرة والعدل والتملك للأجانب.

«العقارية» التي لم تؤسس أي مشروع في المنطقة الغربية أو الجنوبية من المملكة، ولا أعلم عن «الشرقية»، على رغم أهميتها، لو قدر لها أن تسير بتلك الخطط الطموحة التي سارت عليها «إعمار» أو «نخيل» على سبيل المثال لا الحصر، لكنا نعيش اليوم بتشريعات حكومية مختلفة جداً في المملكة وتنظيمات ائتمانية غير ما هو معمول به اليوم. بل وشاهدنا عشرات الشركات المنافسة نظراً إلى حجم البلاد وتنوع حاجاتها. صعوبة وضْع التشريعات في المملكة أو تأخرها ناتجان من غياب النموذج الحي والتجربة الواقعة التي يقودها القطاع الخاص. دبي مضت على طريقة «التجربة والتصحيح» المستمر، ولو انتظرت شركة «إعمار» وغيرها الحكومة لوضع التشريعات التي نراها اليوم قبل أن تبدأ بتنفيذ خططها لما شاهدناها بهذا الحجم الذي هي عليه اليوم. ولربما لم يخرج من حكومة دبي ربع ما خرج منها من تحديث في اللوائح في شكل عام.

النقطة الأخرى التي أود الإشارة إليها – وربما أسهمت في بطء نمو «العقارية» – هي تدخُّل الدولة ومساهمتها وسيطرتها أحياناً على النشاط الذي يُفترض أن يديره القطاع الخاص، فبمجرد ملكية الدولة للغالبية فإن مجلس الإدارة لهذه المنشأة، أي مجلس، سيغرق في بيروقراطية الأعضاء الحكوميين. أنا لا أعترض على النسبة المئوية للدولة، إذ من حقها أن تتملك ما تريد، بل على التمثيل في مجالس الإدارات. ما علاقة الموظف الحكومي بالتصويت على دراسات استثمارية محضة؟ فهو رجل لا علاقة له بالاستثمار ولا بالعمل التجاري، والأرجح أنه لا يفهم ما يتم عرضه عليه. أنا لا أقلل من قدرات هؤلاء، لكن الموضوع ليس من اختصاصاتهم. مهمته الوحيدة بصفته مسؤولاً حكومياً الدعم اللوجستي لمساعدة المستثمر على النهوض ببرامجه وتحقيق طموحاته.

أتمنى أن تراجع الدولة سياستها الحالية مع القطاع الخاص وتدع الخبز للخباز. التنمية الحقيقية في أي مكان تقاد بطموحات هذا القطاع وخبراته وحنكته في إدارة الأعمال. ومتى تدخلت الدولة في اتخاذ القرارات فترقبوا التأخير أو الفشل، ولو كانت «العقارية» طليقة من الأغلال فلربما كانت الأضخم والأكبر في المنطقة وحظيت بنصيب الأسد إلى جانب تلك الشركات العملاقة التي أسهمت في تطور إمارة دبي وغيرها من المناطق العربية والأجنبية.

المصدر: الحياة