خليل علي حيدر
خليل علي حيدر
كاتب كويتي

«القذافي»… لن يسقط بالثورة!

آراء

احتمال إسقاط نظام القذافي عن طريق الثورة الشعبية العامة على غرار الثورة الإيرانية عام 1979 مثلاً، “احتمال غير وارد للأسف”، كتب أحد الباحثين الإسلاميين في مجلة “السُّنة” في أبريل 1999، فالمشاركة الشعبية الليبية في الأحداث دائماً محدودة مفقودة، والدليل على ذلك أن أحداث باب العزيزية، مايو 89، كانت المحاولة فيها مقتصرة على مخططي ومنفذي العملية، كذلك في أحداث الغارة الأميركية، أبريل 1986، عندما غابت سلطة القذافي لعدة أيام، “فقد كانت درجة المشاركة، أو التفاعل الشعبي مع هذين الحدثين الخطيرين ضعيفة”.

ربما كان هذا المقال المطول الذي نشرته المجلة المذكورة تحت اسم باحث يدعى “محمد علي محمد” بعنوان “ماذا بعد القذافي؟!”، أولى محاولات الإسلاميين الليبيين لدراسة احتمالات إطاحة القذافي وما قد يعقب ذلك. حيث إن حكم القذافي، كما كتب “سيُنزع قريباً، وأن القذافي الظالم لن يفلت من عقاب الله”.

ونظر الباحث في حجج المشككين في أي احتمال لسقوط نظام الطاغية فقال: “ربما يقول البعض: لقد قارب، بل أشرف النظام المجرم على الموت عدة مرات، مثل محاولة انقلاب الرائد عمر المحيشي عام 1975، وفي محاولة النقيب ادريس الشهيي عام 1980، وأحداث باب العزيزية 1984، ومحاولة أكتوبر 1993، ولكنه في كل مرة يخرج سليماً معافى.. لكن مبشرات سقوط نظام القذافي في الآونة الأخيرة أكثر احتمالاً من المرات السابقة”.

ما الذي يعانيه القذافي ونظامه في هذه المرحلة، بعد ثلاثين سنة من الطغيان، ما يبشر بزوال حكمه قريباً؟ الأزمات السابقة التي عصفت بالنظام، يقول كاتب المقال، “جاءت وهو يحتفظ بقوته وجِدّته، بينما النظام في أيامه هذه ضعيف متهالك ينتظر إقصاءه، خاصة وأنه يعتمد اعتماداً كلياً مباشراً على فرد واحد. وهو الآن في أسوأ أحواله الصحية والنفسية والاجتماعية بعد إصابته البالغة في محاولة الاغتيال الأخيرة في مدينة البيضاء”.

أما الفرق الثاني، فهو اشتداد عزلة القذافي، بعد أن كان محاطاً بمجموعة من المخلصين له تماماً، كانت تعينه في تلك الأزمات. “أما في هذه الآونة الأخيرة فد تناقصت تلك المجموعة من جهتين: “الأولى أن القذافي أقبل على التخلص من بعضهم، مثل ابراهيم بكار عام 1993، ثم ابراهيم البشاري عام 1997، ثم عبدالسلام الزادمة عام 1998، وسجن عديله عبدالله السنوسي وموسى كوسة أخيراً. ومن جهة أخرى، فإن بعض المقربين إليه حاولوا اغتياله، أو الانقلاب عليه مثل محاولة اكتوبر 1993، ومحاولة اغتياله الأخيرة التي نجا منها بأعجوبة”.

وقد أجّج هذا كله صراعات عديدة داخل النظام، وزرع الشكوك، وأثار وضعاً تداخلت فيه المشاكل الشخصية بالصراعات القبلية، بالإضافة إلى العزلة الداخلية التي يعيشها النظام منذ استيلائه على السلطة. فالقذافي، يقول الكاتب: “لايحكم الشعب الليبي فقط، بل هو أيضاً عدوُّ له، يقتله صباح مساء منذ ثلاثة عقود حتى الآن، والقاتل أو الجزار – مهما كانت قوته ودرجة حقده على الضحية – يسأم ويسقط من كثرة وطول القتال والجزارة رغماً عنه، ما يتيح فرصة الخلاص للضحية”.

وبالفعل، رأينا خلال ثورة 2011، كم كان القذافي يكره الشعب الليبي، ويصفه بأحقر الصفات، ويدعو إلى سحقه بلا رحمة.

“لقد أفسد القذافي مؤسسات الدولة الليبية الناشئة، وانتهج القهر والإذلال للشعب وسيلة وحيدة لبقائه فاكتوى بناره من عارضه أو سكت عنه، ثم أقبل على أعوانه يغتالهم الواحد تلو الآخر، ويبدد ثورات البلاد البشرية والمادية”.

هذه المستجدات، في اعتقاد الكاتب، “تجعل الباحث والمتابع للشأن الليبي يتوقع سقوط هذا الحكم قريباً، لدى أول هزة تطاله”.

بلغ عدد محاولات الانقلابات والاغتيالات المنظمة ضد القذافي حتى عام 1994، كما جاء في المجلة، إحدى وثلاثين محاولة، يضاف إليها محاولتان عامي 96و98، فيكون المجموع ثلاثاً وثلاثين، غير المحاولات الفردية. فكيف سيتخلص الشعب الليبي من هذا الكابوس الممتد عبر السنين.. بلا أمل في الخلاص!

احتمال حصول انقلاب على حكم القذافي، على غرار الانقلابات العسكرية التي جرت في العقود السابقة، ومنها انقلاب القذافي نفسه، “أمر مستبعد تماماً”. وذلك بعد أن فعل القذافي بالجيش الليبي ما فعل. “فقد قام بحل الجيش وتفكيكه، ولم يبق من الجيش إلا كتائب صغيرة العدد والعتاد، تقوم بحماية القذافي شخصياً، أو بالحملات الأمنية ضد الشباب الإسلامي.. ولكن يمكن توقع نجاح محاولة اغتيال القذافي”.

ولكن هل الاغتيال يفسح المجال بسهولة لظهور قيادة شرعية مقبولة؟

الاحتمالات ليست كلها مشجعة، في اعتقاد الكاتب. “فإنه من الراجح أن يدخل القائم بإزاحة القذافي في صراعات داخلية لتوطيد الأمور، في ساحة واسعة متباعدة الأطراف يصعب الاتصال المنظم فيها ويقل الاطمئنان إلى الولاءات، وهو كذلك لن يكون بعيداً عن الضغوط الخارجية للدول الكبرى التي ستحاول الاتصال به ومساومته، وربما إرغامه على قبول مصالحها”.

هناك، بعد استبعاد حصول الانقلاب والاغتيال، احتمال الموت الطبيعي، ولكن “رغم إصابة القذافي الأخيرة، فإن صحته بشكل عام تبدو جيدة، وهو الآن في السابعة والخمسين من عمره تقريباً”.

ماذا سيحدث في ليبيا إن مات القذافي؟”البعض يراهن ويجزم بأنه إذا مات القذافي سيسقط نظامه تلقائياً ومباشرة”. في ظني، يقول كاتب المقال، هذا السقوط ليس محتماً: “لأن الفوضى واللانظام الذي سار عليه القذافي لثلاثة عقود كاملة قد أحدث نوعاً من النظام بالمقلوب”.

وربما كان هذا من أطرف التنبؤات السياسية، وشر البلية ما يضحك!

سينفتح المجال للراغبين في اختطاف كرسي القذافي وهيمنته، “ومن المستبعد أن يكون موت القذافي كموت جمال عبدالناصر، أو الملك حسين، أو هواري بو مدين، بحيث يحسم أمر خلافته، فالأول عيَّن نائباً له، والثاني عيّن ولي عهده، والثالث عينته المؤسسة العسكرية، ولا يوجد ما يقابل ذلك في “لانظام القذافي”! ماذا عن احتمال التغيير من داخل النظام؟

يقول: هذا ممكن نظرياً بإحدى الكيفيات الآتية:

أ- عن طريق مجلس قيادة الانقلاب وتحديداً عن طريق عبدالسلام جلود، الذي يبدو أقرب من غيره من الأعضاء، بسبب أن قبيلته مسلّحة (قبيلة المقارحة)، ولديه بعض الأتباع في أجهزة الأمن وشركات النفط واللجان الثورية”.

ولكن القذافي لسوء الحظ قد عقد الأمور وضيق المجال، فقد قزّم دور مجلس قيادة الانقلاب، وجرّد عبدالسلام جلّود من سلطاته، وهكذا، فـ”الأرجح أن جلّود لن يجرؤ ولا يستطيع أن يسقط القذافي”.

من ناحية أخرى، لن يجد جلّود أي عون من مصر ونظام مبارك، بعد أن “قام الإعلام الحكومي المصري عدة مرات بمهاجمة عبدالسلام جلّود والسخرية منه”.

ب- عن طريق “الساعدي”، ابن القذافي، الذي يقوم والده بتدريبه وتجهيزه للحكم، تولى بعض المناصب الأمنية المهمة، كما يتيح له والده قدراً من الظهور الخارجي، مثل المشاركة في جنازة الملك حسين.

واحتمال هذا الانقلاب أرجح، وقد يلقى بعد التزيين بالقول بأن هذه القيادة ضرورية لاستقرار البلاد وأمنها الداخلي والخارجي، وأفضل من الفوضى، وربما هو الأفضل بالنسبة للدوائر الخارجية، يقول الكاتب، “حيث يكفل استمرار دور القذافي المدمر، ويقمع الحركة الإسلامية داخل البلاد، ويعين على قمعها في الدول المجاورة، وقد يقبل إجراء بعض التحسينات والتهذيبات المطلوبة. وفي الحقيقة فإن هذا الاحتمال لو تحقق، فإنه لا يغير من واقع ليبيا شيئاً، بل يزيد من مأساتها، فهو استمرار لكارثة القذافي”.

أما احتمال إسقاط النظام عن طريق الثورة الشعبية العامة، فهو “احتمال غير وارد للأسف”، وأرجح الاحتمالات حدوثاً حصول انقلاب.. أو الوفاة الطبيعية للطاغية. ماذا سيحدث للبلاد بعد غياب قائده؟ غياب القذافي، يقول مقال مجلة “السنة”، “سيفاجئ الليبيين ويصيبهم بالذهول، ويُحدث نوعاً من الفوضى والارتباك”!

من أكبر مشاكل ما بعد سقوط هذا النظام، يضيف الكاتب، الفراغ السياسي المؤلم الموروث من زمن الملكية!

“فبعد الاستقلال 1951 تأسست الملكية الدستورية وتشكل المجلس النيابي، ولكن دون أحزاب، فلما جاء الانقلاب المشؤوم أنهى الملكية والمجلس، وجرّم الحزبية وأمم النقابات. ومن ثم فلا توجد مؤسسات ولا هيئات ولا مرجعية.. هذا الفراغ الغامض المريب قد يغري إحدى الجهات بدفع الأمور إلى أهدافها الخاصة”. هناك خطر آخر ناجم عن الفراغ السياسي، وهو ما سيرافق تكوين الدولة وإنشاء مؤسساتها من جديد.. من الصفر.

“بل سيبدأ الليبيون في هذه الحالة بدرجات أقل من الصفر نتيجة الدمار الذي خلفه القذافي وراءه، والذي سيعانيه الليبيون طويلاً”.

ماذا عن “القتنة الأهلية” و”الأطماع الدولية” و”المعارضة الليبية”؟ هذا ما سنراه لاحقاً.

المصدر: جريدة الاتحاد