إدريس الدريس
إدريس الدريس
كاتب سعودي

الكلام في الفساد.. فساد في الكلام: “غمأستني التغبشه”

آراء

طمرقتني قبل يومين حالة من التشاحم والتذونح فاستعذت بالله من الشيطان الرجيم، فلما كانت البارحة غمأستني موجة التغبشة التي أزرت بحواقلي وحوالقي فمضيت إلى النطاسي، وكان به عرض من العطاسي، فما كان مني إلا أن انصرفت حتى تمحرج أنفي وتلاوذت مسامعي وقد طفق الماء يخرج من الخوالج والتراسيب، فلج مني العرق حتى تمألست وتنامشت بواذلي وتداعت مناقعي وتماحشت الخلائب فصار حالي مثل حال الخرقعي الذي لا تخجله المرقعة ولا يتوقف عن الصرقعة.

وحدث أن مر بي “رفيق” وأنا في الطريق فقال لي: (أنت فيه مريز جلجال أنت سعودي مسكين لازم راحة تيقة) لكنني تركت هذا الفذلكي وامتطيت كدلكي وكان سقف الأرض يسكب المدد المستسقى منذ تبالج المشارق وحتى آذن الله بانكفاء المشعه وغيابها، والماء ينهمر والطرقات تكشف عوراتها، وهكذا اختلط ماء السماء المبارك بماء المجاري، وانقشع الأسفلت وطفت السيارات كالجواري في البحار، وانقطع الحال بين الناس الذين غرقوا والذين سرقوا، لأن من غرقوا ماتوا أما الذين سرقوا فقد مرقوا كما يمرق السهم من الرمية، كما تبخر الغلاة من ذوي الجيوب المنتفخة وغيض الماء واستوت جدة على الجودي، وهب الناس يتلاومون وينتظرون القصاص لكن الفساد خارج السيطرة، فقد تخالط عند الناس فلم نعد نميز الصالح من الطالح، وتداخل الشبقي مع الخورقي وصار بينهما تمازج وتماحج وأقبلت مجاميع العواذل متطابرة تريد أن تأخذ حصة من القصة، فتراجعت وتهاجعت لما رأت المطانش عن أجازل الناس، ولهذا صار الناس لا يتناهون عن النهب ولا يرون فيه من تثريب أو تعييب وصار الغش يربو ويزداد حتى غطى هجر وقرى ومدن البلاد، فهل من دواء باتع وناجع لهذا الداء الذي اشرأب فخالط بديمومته تماهن المتعاقبين وتهامل التقاصص وإشهار ذلك أمام الملأ لكي يرتدع كل متزهزه وكل من به شهرقة تقامع فيها المتحولقون وتشاقع المحذلقون رقابهم المتطامنون على أكنافهم الذين تمجهم الشولخة وترجهم النامقة.

وكان انتظار الخبر بلقعا، وكنا نحسب ما صار إنذارا ورادعا، لكن وجدنا أن الفساد صار هو القاعدة، وأن من أمن العقوبة أساء الأدب وأجزل البغية والأرب، فلما كان من هذا العام فقد اشمخرت السماء وجادت بمائها وزادت ولأن منطقة الشمال تربض في شمال الاهتمام فقد تغيرت جغرافية قرى المنطقة وأصبحت جزراً وأرخبيلات.

قلت لصاحبي الشمالي الحزين: وش مالك؟
قال يميني ما فيني إلا الغصة وهذي تغطي كل القصة، ثم دندن وهو يقول:
شمالك يا فدا عمري صوتك تغير
عندي مطر عندي خطر طب وتخير
لكنني حاولت أن أهدئ من روعه فقلت له مجاوباً:
إش مالك ذهب ويا اللهب
والسارق بريء من راسه إلياّ الكعب

ثم ذكرته حتى لا ينسى أن يشرب من الشلفقة طنحفيساً ويمزجه بشيء من التماحك التبالشي ثم يرجه رجاً حتى إذا أزبد وأرعد وأذرق وأبرق وأثخن وأسخن فقم بخلطه مع تمازيج العسائل ثم اشرب منه وئيداً، وكن وحيداً حتى يصل مفعوله إلى أوابل الشعانف ودأما الزعانف وبرعمة الشوامع، ودع عنك السفسطة فإذا شعرت بوزيز السوامع فقد باشرت الهوجاء وسرابيل الجوار الكنس، فلا تثريب عليك، فقط ما عليك اخلع نعليك واسدح رأسك من الأيداء إلى حدود البيداء واحلم بشرائيب النزاهة وتقاشيع الفساد وتخاشيع الأوابل ومجازل الشربكة وتلئي الزوائف المتماحكة.

أيها القارئ العزيز اعتذر عن الكلام أعلاه الذي هو في مجمله هذيان محموم وكوابيس مهموم. كتبتها ونشرتها لتعرف حالي البارحة وتعذرني على هذه الوسوسة التي هي مزيج من العقل وذهابه، وخليط من الكلام الصحيح وكذابه، وشيء متداخل بين الحلم وبعض العلم، فما راق لك فخذه ودع ما سواه، واعلم يا رعاك الله أنني أحلم ولا أعلم يقيناً ما هو الأحلم وما هو الأسلم.

المصدر: الوطن أون لاين