الكولونيل البريطاني ديفيد نيلد: سحرَتني الإمارات

أخبار

قبل أن تنبسط حروف السؤال على بساط اللسان، في سينها الاستفهامية لتستجلي ما وراء كتابه الصادر حديثاً باللغة الإنجليزية «جندي في الخليج»، يباغتك «ديفيد نيلد» بلسان مشاعره، في حنينها الواعي، رغم وقاره الكلاسيكي المحافظ، بالقول: «كنت من المحظوظين في العمل على أرض الإمارات العربية، قبل تشكل الاتحاد، ولي الشرف في العمل بإخلاص خدمةً لأهل البلاد، ومع رجال بعظمة وحكمة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه)، والمغفور له الشيخ صقر بن محمد القاسمي، الحاكم الأسبق لإمارة رأس الخيمة (طيب الله ثراه)، وأعتبر نفسي ابناً باراً لهما، ولهذه الأرض الكريمة التي أحبّ».

*******

يخيم الصمت لوهلة، بينما يستجمع ديفيد نيلد همته للإجابة على أسئلة «الاتحاد»، وهي تنهمر كالمطر في الرأس، مع كل حرف تحرره ذاكرته النابضة من بيت التاريخ الزمني، الذي عاشه على أرض الإمارات، قبل تشكل الدولة، وهو يعيده أمامك رشيقاً، غاوياً، وفاتناً، حياً، نابضاً بشخوصه القوية، وأحداثه التاريخية المهمة، مثل شريط السينما المفتوح على جغرافية الذات تارة، وعلى جغرافية المكان، لا يوقفه شيء، سوى حاجتك إلى التقاط أفكارك، وأنت تبحر بعيون ذاكرته، الحادة، والهادئة، والحذرة، في ثقوب الزمان المتقشف حينها، وفي بطون التفاصيل، التي شكلت بإرادة أحلام رجالها العظام، وعزيمتهم، شخصية البلاد اليوم، بكل وقارها، وتفتّحها، وشموخها، وعزيمتها التي لا تلين.

*******

يقطع «نيلد» صمتك الشارد في رأس الزمن الذي رماك فيه، عبر تساؤله الذي يحضر فيه وحده، وهو يتلمس صور الكلمات، المترنحة بين اللغة العربية تارة، والإنجليزية تارة أخرى: كيف يمكن للمكان أن يتغيّر لهذه الدرجة من التقدم، والرقي، والحضارة والانفتاح، دون أن يفقد أبناؤه صلتهم، وتواصلهم، وتماسكهم مع إرثهم الكبير، الممتد بامتداد صدر السماء، وتلوّن لغة الصحراء التي تسربت إلى عروقي، وأحن إلى لغتها؟ وكيف تأقلم الإماراتي اليوم بكل هذه الليونة، والرشاقة، وامتطى عجلة التطور بهذه السرعة المذهلة؟ حقاً إنه لتحدٍّ كبير، يدعو إلى الفخر والاعتزاز.

*******

يستدرك «نيلد» نفسه، ويلجم لسان مشاعره، التي فاضت بعفوية منفلتة من عقال جديته، المكتسبة من مهنته كضابط عسكري، حيث أتقن ترويض مشاعره بهدوء وصرامة، ليعود إلى امتطاء جواد ذاكرته، بخفة ورزانة، قائلاً: «جئت إلى الإمارات العربية ألاحق طموحي المهني، كضابط صغير في الجيش البريطاني، ولم تكن لديَّ فكرة مسبقة عن سير خطواتي القادمة، في المكان الذي أتجه إليه، وكان عمري حينئذٍ عشرين عاماً، ولم تكن الإمارات العربية في ذلك الزمن الخمسيني كما هي الآن. كانت الظروف قاسية، ومتقشفة، وشحيحة، لا مدارس، لا طرقات، ولا مستشفيات، ولم أكن أعرف شيئاً عن اللغة العربية، التي تعلمتها لاحقاً، لكن من يتنفس هواء الإمارات، ويتعرق فوق رمالها، ويتعرف إلى أهلها الطيبين، لا يستطيع إلا أن يجعل لها نبضاً حياً من دقات قلبه، فهي أرض من حب، ونزق مختلف، أرض من قسوة وترف، من حب وتفانٍ، من شجاعة، وحسن الضيافة، من كبرياء وتواضع. فالإمارات بالنسبة إليّ هي أكثر من عمران، وأكثر من فرصة للعيش، وهي ثقافة روحانية، وإرادة وعزيمة، وهي ثقافة الإنسان في ترويضه للبيئة، وتكيفه مع تمردها، فتجانس معها، وتوحد، وتفوق عليها بتلاحم أهلها مع آبائهم المؤسسين، وشيوخهم الطموحين في أحلامهم، التي تجسدت بعزيمة وإصرار، لا يستطيع المرء إلا أن ينحني لها تقديراً واحتراماً».

*******

في زيارتنا الأولى له، يحاول «نيلد» التوازن من جديد، كالوتر المشدود على حافة خيط فراشات الذكريات، وهو يدلك عضلاتها في تنقلها السلس بين عالم كان به، وعالم جديد تشكل بعده، وسؤال الزمن، كيف ركض أمامه حافي القدمين؟، يشغل فؤاده، ليبدأ رحلة سرد البدايات، كما خطها في كتابه «جندي في الخليج»، ويوضح قائلاً: «كتابي هو سفر زمني، تقوده عربة تجربتي الشخصية، انطلاقاً من العام 1959، عندما جئت البلاد للعمل كضابط، ضمن قوة كشافة ساحل عُمان، التي تم تأسيسها من قبل البريطانيين العام 1951، وكان مقرها الرئيس في الشارقة، ولها سَريات عسكرية متنقلة، كل بضعة أشهر ضمن أراضي الإمارات، وهي أول قوة عسكرية إماراتية نظامية أنشئت في 11 مايو العام 1951، قبل تشكل الاتحاد العام 1971. وساهمت بريطانيا في إنشائها بقرار ملكي لحماية فرق استكشاف النفط، وحفظ السلام بين القبائل، وتأمين طرق السفر، والتنقل بين الإمارات، وفض النزاعات، ومنع الهجرة غير الشرعية، وهي تحت قيادة ضباط بريطانيين سابقين، بمشاركة أهل البلاد، حيث لعبت دوراً مع أهلها في حفظ النظام والأمن في مختلف الإمارات المتصالحة عموماً، وحل الكثير من المشاكل الأمنية حينئذ».

تتشعب حكاية الذاكرة – يتابع نيلد – حديثه: «مع توسع التجربة الشخصية، بتشعب مهماتي العسكرية، وتنقلي بين العين وأبوظبي، ثم إمارة رأس الخيمة، التي أعتبرها الأكبر، والأطول كطبيعة عمل، ومن ثم إمارة الشارقة لاحقاً العام 1972، مع توثيق لأحداث تاريخية مهمة عاصرتها في تلك الحقب الزمنية، قبل تشكل الاتحاد، وساهمت في تشكّله لاحقاً، والكتاب غني ببعض المحطات الشخصية، الخاصة التي جمعتني من قرب مع الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه)، عندما كان حاكماً للمنطقة الشرقية في العين، قبل تسلمه الحكم في أبوظبي، وتجربتي الشخصية مع المغفور له الشيخ صقر بن محمد القاسمي الذي كان رئيسي في العمل، وأبي في الوقت ذاته».

*******

يتحول جسد «نيلد» إلى كلمات، والكلمات إلى جسد، وهو المفتون بإعادة الذكرى بتفاصيلها الندية، مع سؤال «الاتحاد» الشغوف في الوقوف عند بعض خيوط الذاكرة، في تجربتها الشخصية، مع المغفور له «الشيخ زايد» (طيب الله ثراه)، ويقول «نيلد»: «تدرك وأنت معه، على الفور، أنك في حضرة شخص استثنائي، بكل معنى الكلمة. لا ينجو أحد من حبه، فهو القائد، والأب، والأخ، والمرشد، لا يسمح لك بالانتباه إلى هذا الاختلاف، فهو مثل كتاب من حياة يقرأ اللحظة، ويستشرف الغد، بعين ثاقبة حكيمة، وروح وثابة، تواقة إلى المعرفة والانفتاح».

يعلو الحديث هنا، ويتموج ويطول، مفتوناً بطعم الذكرى، ويتابع «نيلد» حديثه بالقول: «كان الأب المغفور له الشيخ «زايد» (طيب الله ثراه)، لا يتوانى عن السفر إلى الأماكن القريبة، والبعيدة، التي يحفظها عن ظهر قلب، للاطمئنان إلى أبنائه، وتفقد أحوالهم، والسؤال عن حاجاتهم، والاستماع إلى مشورتهم، فهو أكثر من حياة في جسد واحد، عميق الإيمان بالله وشعبه.. كنت مفتوناً بتمسكه بحياة الصحراء، بكل عاداتها، وتقاليدها، المحببة إلى قلبه، وكل ما يمت إلى الأصالة العربية، رغم طموحه في البناء والعمران، فقد أحب الصيد، وركوب الخيل بمهارة، وكان شغوفاً بالصقور، خاصة «صقور الشاهين»، وكان ماهراً في الرماية، والصيد، خاصة طيور الحبارى».

ويتابع «نيلد» قائلاً: «هو حقيقة ليس فرداً، بل هو تعبير عن روح هذا الشعب الحي، والطموح بتساميه، وتواضعه، وانفتاحه، وحبه للسلام. جعلني مفتوناً بحب التراث، والتقاليد العربية الأصيلة التي تعرفت إليها من خلال الحوارات المتبادلة، التي كان حريصاً على حيويتها ودفئها في زياراته الدائمة لنا في قلعة الجاهلي التاريخية، بالعين، وفي المعسكرات المتنقلة التي يتطلبها العمل».

*******

يجر الحنين «ديفيد نيلد» إلى زمانه، ويطوف به، وهو يتجوّل معك في متحف الذاكرة، متنقلاً إلى داخلٍ يخرج، وإلى خارجٍ يدخل، مع زيارة «الاتحاد» الثانية له، في مقر سكنه الدائم، في إمارة رأس الخيمة التي يعتبرها بيته، قبل أن يعود الحديث إلى الاستقامة على سكة زمنه التاريخي، وهو يحاول -وأنت معه – استيعاب عملية انتقال الواقع، إلى ذكريات تتآلف معه، وتتآلف بحضورها، فيقول عن محطة عمله في إمارة رأس الخيمة: في العام «1968»: «عدت إلى الإمارات العربية، لقيادة دخول أول فرقة من قوات كشافة ساحل عُمان إلى إمارة رأس الخيمة، عندما سمح المغفور له الشيخ صقر بن محمد القاسمي (طيب الله ثراه)، بدخولها إلى الإمارة في مقرها في منطقة الهمهام في الدقداقة.

بحلول العام 1969 طلب مني المغفور له «الشيخ صقر»، ومع تعمق أواصر الثقة بيننا، بناء على أحداث، وتفاصيل كثيرة امتلأت بها التجربة، ويقرؤها القارئ في الكتاب، طلب مني المغفور له تولي مسؤولية تأسيس أول قوة عسكرية متحركة في إمارة رأس الخيمة، بالتعاون مع أبناء الإمارة»، ويستدرك «نيل» حديثه بعد مداخلة يراها ضرورية قائلاً: «أعتبر مهمتي في إمارة «رأس الخيمة» من أصعب المهام، وأكثرها تحدياً لي، خاصة أن عمري حينئذٍ لم يتجاوز 31 عاماً، فقبلت التحدي على نفسي حينئذٍ، خاصة أنني كنت مفتوناً برمال صحراء الإمارات، وكان حنينها يسري في دمائي».

*******

وعن حكايات ذاكرته الزمانية، في توهجها عن أهم الأحداث التاريخية التي شهدتها إمارة رأس الخيمة في ذلك الزمن. يقول الضابط السابق «ديفيد نيلد»: «لا أنسى صباح يوم 30 من نوفمبر من عام 1971، وعند الخامسة صباحاً، وبعد يومين فقط من خروج بريطانيا من الإمارات، وصلتني رسالة عبر اللاسلكي تفيد بمهاجمة إيران جزيرة طنب الكبرى، وكان هذا الأمر مفاجئاً للجميع، خاصة أن المنطقة كانت في حماية البريطانيين، وكنت قلقاً من إبلاغ المغفور له الشيخ «صقر»، بخبر كهذا، وهو الذي كان رافضاً لأي تنازل عن هذه الجزر، أو حتى التفاوض على أي شبر من أراضيها، وقد حاولت بريطانيا التوسط بين الطرفين حينئذ.

قابلت المغفور له الشيخ «صقر» في منزله، وانزعج كثيراً، وغضب عند سماعه هذا الخبر، وطلب مني كقائد للسرية العسكرية المتحركة في إمارة رأس الخيمة، التصدي للإيرانيين فوراً، ودون تلكؤ، ولكن إمارة رأس الخيمة لم تكن حينئذ تملك شيئاً من وسائل الدفاع المتطورة، التي تمتلكها إيران. لا طائرات مروحية، ولا مدافع، بينما الأخيرة كانت تدك الجزيرة بمدافعها، وطائراتها المتحركة، وأدت هذه العملية المباغتة إلى استشهاد أول جندي إماراتي، وهو يدافع عن سارية العلم في الجزيرة، وهو الشاب البطل «سالم بن سهيل بن خميس»، وتعطل جهاز اللاسلكي تحت القصف، نتيجة الهجوم المباغت، ولم نستطع إبلاغ الجنود بأوامر المغفور له بالانسحاب، كحل وحيد لتدارك المزيد من خسارة الأرواح في صفوف الجنود هناك، وفعلاً كان هناك الكثير من الجرحى والأسرى الذين حاولوا الدفاع عن الجزيرة، وحينئذٍ خاطبنا البريطانيين على الفور، لكن، للأسف، اكتفوا بمخاطبة الإيرانيين عبر الرسائل، ولم يفعلوا شيئاً يتعدى ذلك، حيال الأمر».

*******

تجر الذكريات المسافة الفاصلة في عمر الزمن، ويطوف بنا «نيلد» مع صور التجربة في انطباعها المكتنز عن المغفور له الشيخ صقر بن محمد القاسمي الذي يعتبره بمثابة أب له، قائلاً: «ذكرياتي عن المغفور له الشيخ «صقر» قوية، وحية بطعمها، فهو رجل يملك سمات المغفور له الشيخ زايد (طيب الله ثراه)، في محبته وتفانيه، وإخلاصه للعادات والتقاليد، وتمسكه بأبنائه، فقد كان هادئاً جداً، ويتحلى بالورع، والتواضع، شديد البأس، وحنوناً جداً، أحب العلم، وكان همه الكبير تأمين التعليم لأبناء رأس الخيمة كافة، لقناعته الفطرية والعفوية بأنه السلاح الوحيد، لحماية أبنائه عبر الزمن، والنهوض به وبهم».

ويتابع «نيلد»: «وفعلاً كانت أول مدرسة لتعليم البنات على مستوى البلاد في إمارة رأس الخيمة. وكان أول حاكم يبتكر أسلوب عقاب الأهالي في حال تخلفهم عن إرسال أبنائهم إلى المدارس، التي أنشأها حينئذ بالتعاون مع حكومة الكويت».

يتابع «ديفيد نيلد» حديثه بعد أن حرر ذاكرته من فواصلها الزمنية قائلاً بإعجاب تفضحه نبرة الصوت في استقامتها: «أذكر جيداً أن أول معمل لإنتاج الحليب انطلق من منطقة الدقداقة الغنية بنخيلها، والخصبة بأراضيها الزراعية، وكانت مقراً، ولا تزال، للأبحاث الزراعية، وتربية المواشي. رغم أن عدد سكان رأس الخيمة حينئذ لم يتجاوز 25 ألف نسمة، لكنها كانت مختلفة عن بقية الإمارات بموقعها، وغنى طبيعتها بين السهل، والبحر، والجبل، وكان أهلها يعيشون من مهن مزدهرة مثل الزراعة، والصيد، رغم ظروف الحياة العامة القاسية بطقسها، والمتقشفة بإمكاناتها، ولكنهم كانوا منسجمين مع واقعهم، وقريبين من قائدهم، الذي لم يوفر وسيلة لتحسين مستوى حياتهم، وجعلها مريحة، وآمنة».

*******

يختتم «ديفيد نيلد» حديثه معنا، أو رحلتنا معه في عربة الزمن، بعد أن أنهكته طراوة الذكرى في ترحالها بين حنين الأمس، وإعجاب اليوم ويقول: «علاقتي بهذه الأرض ليست فقط علاقة عمل، بل هي علاقة ذاكرة نابضة، شكلت وعيي في ارتباطها العاطفي مع هذه الأرض المباركة، بكل تفاصيلها، ففيها نكهة سحرية خاصة، يصعب عليّ التعبير عنها حرفياً، ولكن مشاعري تحفرها على جدران القلب النابض، بحب هذه البلاد، وأهلها الكرام».

*******

ينتظر «ديفيد نيلد» ترجمة كتابه «جندي في الخليج» إلى العربية قريباً، كي يطلع أبناء البلد على البداية الحية، والكثيفة من عمر تطور البلاد، في وصولها إلى الزمن الراهن، ليفخروا بتعب الآباء المؤسسين في نضالهم وطموحهم من أجل النهوض بواقعهم وحياتهم.

استغرق «ديفيد نيلد» ثلاث سنوات في تسطير حروف ذاكرته في كتاب «جندي في الخليج»، الذي قسمه إلى 10 فصول، موزعة على 176 صفحة من القطع المتوسط، بعد تشجيع من صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم رأس الخيمة، الذي افتتح بداية رحلة الكتاب، بمقدمة خطها بيده، يتحدث فيها عن صفات الضابط البريطاني السابق «ديفيد نيلد»، بفرقة كشافة ساحل عُمان، كما عرفه، وخبره خلال سنوات خدمته في إمارة رأس الخيمة، والإمارات العربية المتحدة.

زايد

روح الشعب الإماراتي الحيّ

كان الوالد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لا يتوانى عن السفر إلى الأماكن القريبة، والبعيدة، التي يحفظها عن ظهر قلب، للاطمئنان إلى أبنائه، وتفقد أحوالهم، والسؤال عن حاجاتهم، والاستماع إلى مشورتهم، فهو أكثر من حياة في جسد واحد، عميق الإيمان بالله وشعبه.. كنت مفتوناً بتمسكه بحياة الصحراء، بكل عاداتها، وتقاليدها، المحببة إلى قلبه، وكل ما يمت إلى الأصالة العربية، رغم طموحه في البناء والعمران، فقد أحب الصيد، وركوب الخيل بمهارة، وكان شغوفاً بالصقور، خاصة «صقور الشاهين»، وكان ماهراً في الرماية، والصيد، خاصة طيور الحبارى.

في الحقيقة هو لم يكن فرداً، بل هو تعبير عن روح هذا الشعب الحي، والطَّموح بتساميه، وتواضعه، وانفتاحه، وحبه للسلام. جعلني مفتوناً بحب التراث، والتقاليد العربية الأصيلة التي تعرفت إليها من خلال الحوارات المتبادلة التي كان حريصاً على حيويتها ودفئها في زياراته الدائمة لنا في قلعة الجاهلي التاريخية، بالعين، وفي المعسكرات المتنقلة التي يتطلبها العمل.

صقر

كان شغوفاً بالعلم ورأى فيه سبيل النهوض

ذكرياتي عن المغفور له الشيخ صقر بن محمد القاسمي قوية، وحيَّة بطعمها، فهو رجل يملك سمات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في محبته وتفانيه، وإخلاصه للعادات والتقاليد، وتمسكه بأبنائه، فقد كان هادئاً جداً، ويتحلى بالورع، والتواضع، شديد البأس، وحنوناً جداً، أحب العلم، وكان همه الكبير تأمين التعليم لأبناء رأس الخيمة كافة، لقناعته الفطرية والعفوية بأنه السلاح الوحيد، لحماية أبنائه عبر الزمن، والنهوض به وبهم.

وفعلاً كانت أول مدرسة لتعليم البنات على مستوى البلاد في إمارة رأس الخيمة. وكان أول حاكم يبتكر أسلوب عقاب الأهالي في حال تخلفهم عن إرسال أبنائهم إلى المدارس التي أنشأها حينئذ بالتعاون مع حكومة الكويت.

المصدر: الإتحاد