سعود الريس
سعود الريس
كاتب وصحفي سعودي

المالكي.. هل اقتربت ليلة العيد؟

آراء

بعد أن لوث المجتمع العراقي، خرج نوري المالكي يستغيث بالأميركان، لم يفلح، فوجه انتقاداته اللاذعة إليهم؛ لأنهم لم يبادروا بإرسال عدتهم وعتادهم وجنودهم لحمايته، صعّد من لهجته، فاتَّهم في البداية «داعش» باستحواذها على الموصل، فطار من طار بـ«العجة»، إلى أن خرج شيوخ العشائر ليؤكدوا أنها ثورة، وهنا أيضاً دجَّ من دجَّ، وبعدما تخلى عنه جيشه في الموصل، وبدأت الخطوات تقترب من بغداد لم يجد بُداً من النفَس الطائفي لينفخ به من جديد، فلجأ هذه المرة إلى أسياده الإيرانيين يتزلف لهم، وهم في الواقع ليسوا بحاجة إلى تزلفه، فيدهم موضوعة على المالكي وعراقه، منذ توليه السلطة، فجادت قريحته بدفع العراق إلى أتون حرب أهلية، على أمل أن يبقى في منصبه، وانطلاقاً من قاعدة: «أنا ومن بعدي الطوفان»، فلم يفلح، لجأ إلى السيستاني كمنفذ للطائفية التي يبحث عنها، فلم يخذله السيستاني، وأصدر فتوى جهاد تدعو أبناء الطائفة الشيعية إلى حمل السلاح والنزول إلى الشارع، فتهافتَ الطائفيون، وشاهدنا رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي عمار الحكيم، وهو يرتدي بزة عسكرية ويحمل سلاحاً و«براءة الأطفال في عينيه»، فيما ظهرت صور لمعممين في أرذل العمر وهم يلوِّحون بأسلحتهم، لكن حتى هذه لم يفلح فيها المالكي، إذ وقف ذليلاً بين جمع من القادة والرموز السياسية استدركوا فحش خطأ التعبئة المذهبية ليصدروا بياناً أكدوا فيه أهمية «مراجعة المسيرة السابقة وتقويمها والتزامها بالدستور والقوانين والتحشيد من كل أبناء الشعب العراقي بما يراعي خصوصيات المكونات وإبقاء الدولة ومؤسساتها في حماية المواطنين وعدم السماح لأي جهة بحمل السلاح وشجب الخطاب التحريضي ومنع مظاهر حمل السلاح العشوائي من أي جهة كانت».

فقدَ المالكي كل أوراقه فلم يعد أمامه إلا الهرب إلى الأمام، والأمام يعني السعودية، فخرج بما يحمله من قبح القول وفحش العمل ليتهم السعودية بأنها خلف الأحداث التي يشهدها العراق، وهو اتهام ألفناه مع كل إخفاقة للمالكي، لكن هنا لم يأتِ الرد سعودياً، بل جاء من أربابه الأميركان ليعتبروا تلك التصريحات عدائية وغير دقيقة، ويطالبونه بالبعد عن النهج الطائفي.

تلك حقائق لم تمكِّن سرعة أحداثها من استيعابها، لكن ما الذي أثبتته لنا تلك الأحداث؟

إن السياسة منتج قذر، وإن بعض الساسة حتى القذارة تعف عنهم، فخذوا على سبيل المثال، إيران من أشد المعارضين لتدخل أميركي في سورية، وأعلنت ذلك صراحةً غير مرة، لكن، يا للمفارقة! في العراق هي على استعداد لاستقبال الجنود الأميركان، والتنسيق مع إدارتهم وربما للحفاظ على مكتسباتها هناك، هي على استعداد لفرش السجاد الإيراني تحت أقدامهم، بل ربما تقدم لهم أيضاً الفستق الذي تشتهر به، والأميركان من جهتهم لم يكونوا أرفع قدراً، فهم بجانب تنديدهم وشعاراتهم حرّكوا سفنهم باتجاه المنطقة، بحجة الوقوف على أهبة الاستعداد لحماية العراق، هل نحن متأكدون أن الحماية للعراق أم لنوري المالكي الذي يقف على حافة الهاوية؟ لن نستعجل، فالأيام حُبلى.

الغريب من بين كل ذلك يحق لنا أن نتساءل: أين تقف دول الخليج العربي؟ لا نعلم. لماذا هذا الصمت؟ وإن خرجت تصريحات، على استحياء، حتى الأميركان الذين يتنطعون بحماية المنطقة عندما تحدثوا عن تسوية الأوضاع في العراق تطرقوا إلى إيران، أما دول الخليج كالعادة، في غيبوبة حتى تُحسَم الأمور.

تُرى، ما أسوأ السيناريوهات التي قد تحدث في العراق، إلى جانب الحرب الطائفية التي يدفع باتجاهها نوري المالكي؟ حدثني أحدهم معرباً عن السيناريو الأسوأ الذي يمكن أن يشهده العراق، إذ يرى أن التقسيم هو الأسوأ للمنطقة وتحديداً للسعودية.

تلك المخاوف موجودة، وإشارات صدرت من هنا وهناك تهيئ لها. دعونا نتخيل هذا التقسيم، ففي الشمال أكراد، وفي الجنوب شيعة تحت وصاية إيرانية، ولا سيما بعد أن خرج روحاني مؤكداً حماية مقدساتهم هناك. حسناً ماذا عن الوسط، هناك دولة العراق والشام (داعش)، التي تعد هي الأكثر تنظيماً حتى الآن، فلنتخيل أنها تمتد إلى الداخل السوري بعد فتح الحدود، كما أُعلن مطلع الأسبوع؟ هنا تكمن الخطورة، فالمنطقة العربية لا تحتمل عراقاً مقسماً، وليس من المصلحة في شيء التخلي عن العراق في هذه المرحلة، فسبق أن تُرك واستحوذت عليه إيران. اليوم لا ينبغي التفريط به أكثر مما فرطنا في السابق، فإسقاط المالكي ومحاكمته هي مطلب العراقيين، ذلك الرجل الذي لم يحتمل هفواته الشيعة أنفسهم فانقسموا بسببه.

مشكلة العراق اليوم الرئيسة ليست في الاحتلال الإيراني ولا في الوصاية الأميركية، بل في شخص يُطلق عليه نوري المالكي، كان عالة على العراق وسيبقى كذلك إلى أن يوقِّع أحدهم على وثيقة إعدامه، وقد تكون أيضا ليلة «عيد».

المصدر: الحياة