علي سعد الموسى
علي سعد الموسى
كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية

المصنع المحلي لإنتاج القنابل البشرية

آراء

في بيانه ما قبل الأمس، يقول سعادة اللواء منصور التركي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية إن “السلطات الأمنية تمكنت من القبض على 88 شخصا من (أرباب) الفكر الضال…”.. انتهى. أعتقد أن علاقتي الشخصية المتميزة مع سعادة اللواء تسمح لي بالاختلاف معه في انتقاء المفردة اللغوية، وبالخصوص عند استخدام كلمة (أرباب)، لأنها لا تصف المتسبب ولا تصف الضحية.

نحن قبضنا على التلاميذ الصغار وعلى (الأغرار) وحديثي السن والتجربة، ولكن (أرباب) التضليل الذين يدفعون بأطفال هذا البلد إلى السجون ما زالوا معنا أحرارا طلقاء: يتحدثون في التلفزيون ويغشون المجالس الرسمية. نحن إلى حد ما استطعنا تفكيك زناد 88 قنبلة، ولكننا لم نجرؤ أبدا، وهذه مصارحة ومكاشفة، على ضبط كبار التنفيذيين في المصنع المحلي لإنتاج القنابل البشرية. نحن ننجح باستمرار في القبض على صغار الجنود، ولكننا نغفل عن كبار قادتهم من الأرباب الحقيقيين، أفرادا كانوا أو منظومات فكرية. نحن نسجل فشلا في قراءة منبع الظاهرة، ونحن نسجل فشلا مكتملا لأننا نكرر مع الدواعش ذات المنهج الذي لم نستفد أبدا من تجربته مع القاعدة. نحن سئمنا أن نكون مجرد قوائم أمنية منذ عشر سنين.

في حديث سعادة اللواء منصور التركي رقمان يستحقان الوقفة: الأول حين يتحدث عن المعدل العمري لآخر المقبوض عليهم في آخر قائمة: هم كانوا طلابا في المدارس الابتدائية ليلة الصحوة الوطنية على ضربة الإرهاب في قلب الرياض. هذا دليل على ما قلته من قبل ألف مرة من أننا نتعامل مع (سيور) الإنتاج، ولكننا أبدا لم ننجح في الاقتراب من محركات المصنع. رقم المعدل العمري وحده ظاهرة مخيفة. الثاني حين يذكر لنا سعادة اللواء أن (59) فردا من المقبوض عليهم كانوا موقوفين أمنيا من قبل. هذا الرقم وحده يضع أمامنا إشارة تفاؤل بسيطة ولكنها لافتة. الرقم يعني أن المصنع الوطني لإنتاج القنابل البشرية يتغذى على رجيعه ويعيد صناعة دفعاته من الخريجين القدماء، ولكنه أيضا يشير إلى خلل في تعاملنا الفكري والأمني مع المصنع والمنتج.

كل هذا يعني بوضوح ومباشرة أننا احتفلنا بظهور الصدأ على مسامير ما كان يعرف بـ(القاعدة) دون أن نعي وندرك أن ذات (المُلاّك) قد غيروا في المصنع مجرد اللوحة: نزعوا (القاعدة) من أعلى الجدار، ثم كتبوا (داعش) على كل الواجهة الأمامية للمصنع.

المصدر: الوطن أون لاين
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=22871