«المنتدى الاقتصادي»: الإمارات بين الأفضل في توزيع اللقاح

مقابلات

حوار: عبير أبو شمالة

قال ميريك دوشيك نائب رئيس مركز الشؤون الجيوسياسية والإقليمية عضو اللجنة التنفيذية ومدير منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للمنتدى الاقتصادي العالمي إن الإمارات نجحت على مدى السنوات الماضية في تعزيز جهود الإصلاح والتنمية وقطعت شوطاً بعيداً على هذا المستوى لتصبح من أكثر الاقتصادات تنوعاً على مستوى المنطقة مع العديد من المبادرات الرامية للحد من الاعتماد على النفط وتنويع قاعدة النمو الاقتصادي. وأكد في حوار مع «الخليج» قبيل انعقاد مؤتمر دافوس يوم غد الاثنين أن الإمارات أثبتت فاعلية وكفاءة في مواجهة تبعات جائحة «كوفيد- 19»، حيث اتخذت تدابير سريعة وناجعة لاحتواء تفشي الفيروس ومواجهة التأثيرات الاقتصادية الناتجة عن الإغلاق الاقتصادي، وهي اليوم من أفضل دول العالم على مستوى توزيع اللقاح ما يعزز فرص التعافي السريع من انعكاسات الأزمة عالمية المستوى.

وتحدث عن أهم بنود أجندة مؤتمر دافوس التي تركز قبل أي شيء في هذه المرحلة على إعادة الثقة في الاقتصاد باعتبارها عنصراً محورياً لوضع الاقتصاد العالمي على مسار التعافي والنمو من جديد. وفيما يلي تفاصيل الحوار:

مر العالم بأزمة غير مسبوقة مع تفشي فيروس«كوفيد- 19» في العام الماضي وتدابير الإغلاق الاقتصادي للحد من انتشار الفيروس، فما هي توقعاتكم لأداء الاقتصاد العالمي في العام الجاري؟

– كانت الأزمة التي مر بها العالم في العام الماضي بالفعل خاصة واستثنائية، وكبدت العالم الكثير من الخسائر الفادحة في الأرواح وكان لها كذلك تبعاتها الاقتصادية، التي يصعب وضع تقدير شامل لها في الوقت الحاضر، وإن كنا نتابع البيانات والتقديرات الصادرة عن المؤسسات العالمية التي تحاول وضع تقديرات لحجم الأزمة وتأثيراتها على الاقتصاد العالمي، وعلى اقتصاد منطقة الشرق الأوسط ولدينا العديد من التصورات والسيناريوهات المحتملة التي يمكن أن يشهدها العالم في المرحلة المقبلة.

غير أننا اليوم أكثر تفاؤلاً، ما زلنا نتوقع تسارع النمو، وإن كان الأمر يعتمد وإلى حد كبير على العديد من العوامل وأبرزها بالطبع التطورات على المستوى الصحي والنجاح في إنتاج وتوزيع اللقاحات بما يحقق الاستقرار. إن ما واجهه العالم في الأشهر الماضية أمر خاص واستثنائي ويمكن القول إن علم الاقتصاد يعتبر جديداً نسبياً ليمكنه رسم صورة واضحة أو تصور لما يمكن أن يكون عليه الوضع في الفترة المقبلة.

لكن وبناءً على البيانات المتوفرة حالياً، وعلى التطورات الراهنة في إنتاج وتوزيع اللقاحات، فهناك بالفعل ما يعزز مشاعر التفاؤل حيال العام الجديد، ويجعلنا نتوقع تسارع خطى النمو الاقتصادي لتعويض جزء مما فقده الاقتصاد العالمي في العام الماضي جراء الجائحة والإغلاق الكبير. وكما قلت سابقاً يعتمد الأمر في نهاية المطاف على ما يمكن أن يستجد من تطورات صحية، لكننا نعرف أننا لن نعود إلى ما كنا عليه سابقاً، وأن هناك فرصة مهمة لتعويض الخسائر الاقتصادية. وتعتبر الأزمة فرصة مهمة لنا لمواجهة ما عانته اقتصادات العالم على مدة سنوات من تأثيرات التغير المناخي وتبعات اللامساواة المجتمعة والتغيرات المتسارعة على مستوى التكنولوجيا المتقدمة التي تؤثر في كافة مناحي الحياة.

كيف ترون انعكاسات الجائحة على الإمارات ومنطقة الشرق الأوسط؟ وكيف يمكن لدول المنطقة العمل على مواجهة التأثيرات للعودة مجدداً على مسار التعافي والنمو؟

– يمكن القول إن الواقع متشابه على مستوى مختلف أنحاء العالم وإن تغيرت المعطيات الاقتصادية من منطقة إلى أخرى ومن دول إلى غيرها، وقد تابعنا على مدى الأشهر الماضية جهود الإمارات ودول المنطقة ومبادراتهم في مواجهة الجائحة وتأثيراتها الاقتصادية في ظل تدابير الإغلاق الهادفة إلى الحد من انتشار الفيروس، وقال إن غالبية الدول تعاملت بالمنطق نفسه ساعية للموازنة بين صيانة النمو الاقتصادي وحماية الأرواح. وتبذل الإمارات ودول المنطقة جهداً لافتاً في الوقت الحاضر على مستوى توزيع اللقاح ما يعزز فرص التعافي السريع والنمو.

ويمكن القول إن الجائحة ربما طرحت فرصة مهمة لتعزيز جهود الإصلاح الاقتصادي خاصة على مستوى تنويع قاعدة النمو الاقتصادي والحد من الاعتماد على النفط في دول مجلس التعاون الخليجي، وهي أيضاً فرصة مهمة لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لاعتماد المزيد من المبادرات الفعالة لتطوير اقتصاداتها الرقمية وتعزيز تبني التكنولوجيا المتقدمة لتكون محركاً أساسياً للنمو في المرحلة المقبلة.

ونتوقع تسارع النمو الاقتصادي للإمارات هذا العام مقارنة بالعام الماضي، وإن كان الوقت مازال مبكراً لوضع تقييم واضح حول مستوى النمو المتوقع في هذا العام، فكما قلت الأمر يعتمد على التطورات الصحية وتوزيع اللقاح والعديد من العوامل الأخرى، لكن فرص التعافي والنمو جيدة في الإمارات التي كانت من الدول الرائدة في مبادرات احتواء الفيروس وتخفيف انعكاساته الاقتصادية واتخذت تدابير سريعة وفعالة على هذا المستوى. وكذلك تعد من أفضل دول العالم على مستوى توزيع اللقاح. لقد أخذت الإمارات دون شك المسار الصحيح في تعاملها مع الأزمة، ولقد تابعنا المبادرات الحكومية على هذا المستوى ورأينا كيف تمكنت الإمارات من تحويل الأزمة إلى فرصة لتعزيز الإصلاحات بما يساعد في بناء مستقبل أفضل، فهي من الدول الرائدة على مستوى مبادرات الاستدامة والتنمية وتطبيقات التكنولوجيا المتطورة.

ويتعاون المنتدى الاقتصادي العالمي مع الإمارات في العديد من المبادرات المهمة لتعزيز النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة ومنها مبادرة الاقتصاد الدائري وبناء الاقتصاد الرقمي، والإمارات من أوائل الدول عالمياً في تبني التكنولوجيا المتقدمة، ما يعد من العوامل الرئيسية في تعزيز التنافسية. كما يحسب للإمارات كذلك مبادراتها في مجال تمكين المرأة وتعزيز فرص وصولها إلى المناصب القيادية وتطوير القاعدة البشرية للاقتصاد.

ما هي أهم البنود المنتظر طرحها على أجندة «دافوس» في هذا العام الاستثنائي؟ وما هي أهم الأولويات التي ترون أن على دول العالم التركيز عليها والاهتمام بها لتجاوز تبعات الجائحة وتحقيق التعافي الكامل؟

– يعد عنصر إعادة بناء الثقة الأبرز على أجندة «دافوس» هذا العام والتي ستعقد افتراضياً وتمتد لفترة أسبوع بمشاركة أكثر من 1500 من قادة الاقتصادات العالمية ومن صناع القرار السياسي من أكثر من 70 دولة، وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية هناك حاجة ملحة للتعاون الدولي لوضع أجندة وخريطة طريق واضحة للمرحلة المقبلة لهذا العام الذي يعد من أهم السنوات على مستوى التاريخ المعاصر، فيوجد الكثير مما يلزم القيام به بداية من تجاوز تبعات الأزمة على إيجاد حلول للمشاكل والتحديات العالمية التي يجابهها العالم مثل التغير المناخي واللامساواة المجتمعية، والتحول الرقمي وما فرضه بدوره من تحديات والثورة الصناعية الرابعة.

ومن المنتظر أن تتوصل نقاشات «دافوس» إلى توصيات فعالة على مستوى العديد من هذه الأجندات، التوصيات التي من المنتظر طرحها على قادة العالم وصناع القرار في لقاء المنتدى المزمع عقده في مايو المقبل بشكل شخصي وليس افتراضياً هذه المرة في سنغافورة.

تحدثتم عن إعادة بناء الثقة باعتبارها من أهم الأولويات في تحقيق التعافي فما هو برأيكم النهج الأمثل لإعادة الثقة بعد هذه الفترة الصعبة والاستثنائية في تاريخ عالمنا المعاصر؟

– لإعادة بناء الثقة لا بد بداية من تحقيق التعاون العالمي الفعال في جهود التنمية، ومن الضروري كذلك الوصول إلى حلول فعالة لمواجهة التحديات التي عاناها العالم قبل «كوفيد- 19»وما زال يعاني وعلى رأسها التغير المناخي الذي من المتوقع أن تكون له تبعاته الوخيمة على الاقتصاد العالمي ما لم يتم إيجاد الحلول الناجعة له. ويبرز هنا عنصر على درجة كبيرة من الأهمية وهو الدور الذي يمكن أن تلعبه شركات القطاع الخاص في تعزيز جهود النمو والتنمية المستدامة من خلال تبني معايير المسؤولية المجتمعية، فالشركات ليس لديها فقط مسؤولية تجاه حملة أسهمها وإنما تجاه كافة الأطراف ذات الصلة في المجتمع، وعليها أن تأخذ هذه المسؤولية بجدية وأن تلعب الدور الحيوي المنوط بها لصيانة النمو.

ولدينا العديد من المبادرات على هذا المستوى، منها مبادرة الرأسمالية المجتمعية وقد أعلن عدد من القادة الإقليميين، وبخاصة الإمارات، دعمهم لرؤية مشتركة للرأسمالية الاجتماعية، وقاموا في الربع الأخير من العام الماضي بتوقيع وثيقة تحدد أسس ومبادئ الرأسمالية الاجتماعية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تدعو خريطة الطريق هذه إلى أهمية التعاون بين القطاعين العام والخاص وتتضمن نقاط العمل التالية: صياغة سياسات اقتصادية شاملة وعقد اجتماعي جديد وتحفيز التكامل الاقتصادي، وإعادة تشكيل النظم التعليمية، وتسخير الثورة الصناعية الرابعة وتعزيز الاستدامة البيئية، والتخفيف من المخاطر الصحية العالمية، والالتزام بالحوكمة الرشيدة والمرنة.

وينتمي الموقعون إلى مجموعة العمل الإقليمية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي، والتي أنشأها المنتدى في إبريل 2020 للاستجابة لجائحة «كوفيد- 19». والتي تتطلب اجتماع كبار أعضاء الحكومة وقطاع الأعمال والمجتمع المدني من خلال اجتماعات افتراضية، وذلك بشكل شهري وبهدف تطوير مبادرات ومشاريع ذات منحى عملي من شأنها تعزيز مرونة المنطقة فيما بعد جائحة «كوفيد- 19». وانطلاقاً من قناعتهم بأنه لا بد أن يكون للشركات والحكومات دور مجتمعي أكبر.

المصدر: الخليج