«النفط» بين تقاطعات حكومات ليبيا وتهديد «داعش»

أخبار

رغم تشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج في ليبيا، وتحقيقها الكثير من التقدم بشأن دحر تنظيم «داعش» الإرهابي، فإنها تواجه تعثراً لجهة إعادة عملية تصدير النفط الذي تحتاج إليه الحكومة لضخ الدماء في شرايينها، في ظل تعثر الاتفاق مع حرس المنشآت النفطية في منطقة الهلال النفطي، الذي أصبح موقع تقاطعات مصالح القوى والميليشيات والحكومات المتعددة في ليبيا، إلى جانب تنظيم «داعش» الذي يعمل بشكل قوي على تدمير منصات إنتاج النفط، لحرمان أي حكومة كانت من الحصول على عوائد تصديره، أو بالمقابل السيطرة عليها لتكون مورد دخل للتنظيم الإرهابي، في وقت دخل تنظيم القاعدة كطرف يسعى للسيطرة على هذا المورد في شرق ليبيا، إلى جانب الاختلاف المبدئي ما بين قائد الجيش الليبي الجنرال خليفة حفتر، وإبراهيم الجضران الذي يسيطر على كل المنشآت النفطية. ونجد أن النفط أصبح عامل تفرقة في ليبيا وليس عامل وحدة، وأصبح واقعاً تحت مطرقة خلافات الميليشيات والحكومات وسندان تنظيم «داعش». بينما دعت الدول الغربية، ومن بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، في بيان مشترك إلى إعادة منشآت النفط فوراً «من دون شروط مسبقة ولا تحفظات ولا تأخير إلى أيدي حكومة الوفاق الوطني»، من أجل تفادي وقوع ما وصفتها بأخطار نتيجة لذلك

كانت الآمال بإعادة تصدير النفط الليبي قد تلقت ضربة بعد رفض رئيس المؤسسة الوطنية للنفط اتفاقاً بين الحكومة وحرس المنشآت النفطية بقيادة الجضران لإعادة فتح موانئ رئيسية يسيطر عليها منذ ديسمبر/كانون الأول العام 2014، عندما قام بالسيطرة على الهلال النفطي وأوقف تصدير النفط.

وبرر رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله موقفه عبر خطاب موجه إلى مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر ومسؤولين في قطاع النفط ودبلوماسيين، قال إنه من الخطأ مكافأة الجضران رئيس حرس المنشآت النفطية على إغلاق موانئ النفط رأس لانوف والسدر والزويتينة، مهدداً في الوقت ذاته بسحب تأييده لحكومة الوفاق المدعومة من الأمم المتحدة، والتي وقعت اتفاقاً مع فصيل «الجضران»، من أجل إنهاء حصار ميناءي رأس لانوف والسدر النفطيين واستئناف الصادرات.

النفط بين حكومتين

في ليبيا، التي تعتمد بشكل كلي على تصدير النفط للإنفاق على الميزانية العامة، مؤسستان للنفط، الأولى مقرها مدينة بنغازي (شرق) وتتبع الحكومة المؤقتة والمنبثقة عن مجلس النواب في طبرق، والثانية مقرها طرابلس (غرب) وكانت تتبع لحكومة الإنقاذ المنبثقة عن المؤتمر الوطني، لكنها أعلنت مؤخراً تبعيتها لحكومة الوفاق الوطني الجديدة بقيادة فائز السراج المدعومة دولياً، إلا أن المؤسستين أعلنتا عن توحيدهما في مؤسسة واحدة، خلال اجتماع عقد نهاية الشهر الماضي في تركيا لكنه لم يتم تفعيله حتى اليوم.

ومنذ توقيع الاتفاق في 30 يوليو/تموز الماضي، لم يتم تحديد موعد لاستئناف الصادرات، حيث إن هناك عقبات ستواجه الطرفين بسبب رفض المؤسسة الوطنية للنفط التي تديرها الدولة لأيّ اتفاق يشمل دفع أموال لحرس المنشآت النفطية.

لكن هذه ليست المعضلة الوحيدة، إذ نجد أن الحكومة القائمة في الشرق هددت يوم 27 يوليو الماضي، باستهداف ناقلات النفط في حال اقترابها من سواحل البلاد لنقل شحنات لصالح حكومة الوفاق الوطني من دون اتفاق مسبق مع سلطات الشرق. وقال رئيس أركان قوات حكومة الشرق اللواء عبدالرزاق الناظوري لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا يمكننا أن نسمح بتصدير النفط الليبي إلا عبر المؤسسة الوطنية للنفط في بنغازي». مضيفاً: «سنقوم باستهداف أية سفينة تقترب من سواحل ليبيا من دون اتفاق مسبق مع المؤسسة في بنغازي».

وحشدت عشرات الآليات في مدينة أجدابيا (900 كم شرق طرابلس) قرب الزويتينة، ما أثار مخاوف من نشوب معارك، وهو ما حدا بالمؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا مطلع الأسبوع الماضي إلى دعوة الجماعات المسلحة المتناحرة إلى عدم الإضرار بالميناء النفطي في زويتينة، وذكرت المؤسسة أنها تشعر بالقلق بسبب تقارير عن «صراع محتمل» بين قوات حفتر وحرس المنشآت النفطية قرب الزويتينة.

وهو ما دفع قائد حرس المنشآت النفطية التابع للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بطرابلس، الجضران، إلى اتهام قوات الجنرال حفتر بسعيها لإفشال الاتفاق السياسي، بهدف جر البلاد إلى حرب أهلية. وقال الجضران، في بيان مشترك مع أمراء وحدات حرس الحدود وزعماء القبائل القاطنة بالهلال النفطي، إنّ «حفتر يعمل من أجل تعطيل الاتفاق السياسي وعرقلته، وعدم السماح بقيام حكومة واحدة على الأراضي الليبية ويختلق الأعذار والمسببات لتنفيذ أجنداته بإفشال ما ارتضاه الليبيون».

واعتبر البيان، أن وصول قوات تابعة لحفتر إلى مناطق الهلال النفطي «سيجر البلاد إلى حرب أهلية»، من خلال «خلق بؤرة توتر جديدة تمنع تنفيذ أي اتفاق وصل إليه الليبيون ومنع انعقاد مجلس النواب لمنح الثقة لحكومة الوفاق».

تدخل غربي

سارعت الدول الغربية – من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في بيان مشترك- إلى الدعوة لإعادة منشآت النفط فوراً «من دون شروط مسبقة ولا تحفظات ولا تأخير إلى أيدي السلطات الوطنية الشرعية»، في إشارة إلى حكومة الوفاق الوطني، من أجل تفادي وقوع ما وصفتها بأخطار نتيجة لذلك.

وكانت مصادر محلية قد حذرت من استعداد قوات تابعة للجنرال حفتر للهجوم على الميناء بعد يوم واحد من استئناف تصدير النفط من خلاله، وإزاء هذا الوضع أعربت الدول الغربية الست عن «دعمها للجهود التي بذلتها حكومة الوفاق الوطني للوصول إلى حل سلمي للمشاكل التي تؤثر على صادرات الطاقة في ليبيا». وقالت الدول الست في بيانها «يجب أن تعمل حكومة الوفاق الوطني مع المؤسسة الوطنية للنفط لاستئناف إنتاج النفط في سبيل إعادة بناء اقتصاد ليبيا».

«داعش» يستثمر في الأزمة

في الوقت الذي تبدأ ليبيا في الاستقرار السياسي بعد الاتفاق على تشكيل حكومة الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج والتوقعات بارتفاع إنتاج النفط، إلا أن هناك مخاوف من أن تعيش ليبيا أصعب الفترات في المرحلة القادمة في حال تزايد قدرات تنظيم «داعش» الإرهابي ونمو نشاطه، وسيطرته على الموانئ النفطية، ما سيعزز وجوده من خلال بيع النفط في السوق السوداء، وضخ عوائد البترول في شراء الأسلحة واستقطاب المقاتلين.

إن سيناريو سيطرة «داعش» على الموانئ النفطية، سيجبر حلف شمال الأطلسي على قصف مرسى البريقة وجميع مرافق الطاقة، وبالتالي ستدخل الحرب في دوامة لا يمكن التنبؤ بها، كما أن أوروبا لن تقبل بالوضع الراهن، خاصة أنها مستهدفة من قبل التنظيم، حيث أشارت الممثلة العليا للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني في وقت سابق، إلى أن ليبيا تمثل برميل بارود على أبواب أوروبا، وهو أمر غير مقبول لحلف الناتو.

إلا أن ليديا سيزار وجيسون باك في مقال لهما في مجلة «فورين أفيرز» يريان أنه على الرغم من أن تنظيم «داعش» ضعف كثيراً بفعل ضربات حكومة الوفاق ما أسفر عن فقدانه «أجدابيا» النفطية في مارس/آذار الماضي، إلا أنه لا يزال يشكل تهديداً للمواقع النفطية في الشرق من خلال قاعدته في سرت والبلدات المحيطة بها، بما في ذلك «النوفلية وحوارة وبن جواد».

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، ووفقاً للسكان المحليين في المنطقة، نجح التنظيم في تأمين طرق النقل من الجنوب للمساعدة في جلب تعزيزات من فروع أخرى في شمال إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى. 

ويرى الكاتبان أن استمرار الانقسام بين المجموعات المناهضة ل«داعش» يقوض بلا شك أي جهود لدفع التنظيم الإرهابي بعيداً عن مواقع النفط الكبرى، وأن خلافات هذه المجموعات ساعدت من غير قصد في تحقيق هدف «داعش» الاستراتيجي المتمثل في تعطيل عوائد النفط إذا فشل التنظيم في السيطرة عليها.

وأشارا في هذا الخصوص إلى قيام القوات الموالية للجنرال حفتر بحصار ميناء «حريقة» لمنع حكومة الوفاق من تصدير النفط، وقالا: «إن رجلاً كبيراً مثل حفتر يعمل على مكافحة الإرهاب يجب أن يضع الخلافات الصغيرة جانباً ويعمل مع الجميع ضد «داعش»، خاصة أن التنظيم لا يزال موجوداً قرب حقول النفط المهمة مثل «مليتة ومجمع الغاز ومحطة الزاوية»، وإن التنظيم بدأ في الانتقال إلى الجنوب، حيث له وجود في أوباري قرب حقول النفط.

نصائح غربية

تخلص مجلة «فورين أفيرز» إلى أن تنشيط قطاع النفط في ليبيا هو مفتاح المستقبل السياسي والاقتصادي لهذا البلد، فضلاً عن ضرورة وحدة مختلف الميليشيات في ليبيا والالتفاف حول حكومة الوفاق الوطني في الأشهر القادمة لمواجهة «داعش» الذي بات في موقف دفاعي في «سرت»، والحفاظ على الموانئ النفطية بعيداً عن الهجمات الانتقامية التي يقوم بها التنظيم لا سيما في شرق البلاد.

الغرب يمكن أن يساعد عن طريق نشر قوات خاصة لتدريب القوة التي تتولى حراسة المنشآت النفطية، بعد إعلان دعمها لحكومة الوفاق الوطني، التي من جانبها يتعين عليها التركيز على تعزيز علاقتها مع هذه القوات التي تحرس حقول النفط وخطوط الأنابيب، سواء في الشرق أو في الجنوب الغربي المهمل، من أجل منع «داعش» من استهداف هذه المواقع في المستقبل. 

وقالت المجلة إن دبلوماسيين غربيين أبلغوها «عن مؤتمر للتوسط بين حفتر وأنصار حكومة الوفاق لمنع عرقلة تصدير النفط وتنسيق الحرب ضد داعش».

وعلى المديين المتوسط والطويل يجب على الشركاء الدوليين، خاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أن يساعدوا حكومة الوفاق لضم الميليشيات غير التابعة لها، والتي هي حالياً غير خاضعة للمساءلة، إلى الأجهزة الأمنية الرسمية. وهذه الميليشيات تعتبر المساهم الرئيسي في انعدام الأمن، كما ينبغي إضفاء الطابع المهني على قوات مثل حرس النفط ما قد يحد من الاضطرابات في حقول النفط في المستقبل، سواء كان من داعش أو غيرها من الجماعات المسلحة.

وأخيراً، يجب على الغرب بذل المزيد من الجهود للحد من تدفق المقاتلين الأجانب ل«داعش» في ليبيا، لمنع الجماعة من شن هجمات أكبر في المستقبل، بما في ذلك في مواقع النفط، مع الإشارة إلى أنه خلال العام الماضي، قامت الولايات المتحدة بقيادة الجهود الرامية لوقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق بنسبة انخفاض 90%، وفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وهو ما يجب القيام به في ليبيا أيضاً لإضعاف التنظيم قبل أن يحقق أهدافه المتمثلة في وقف تصدير النفط أو السيطرة عليه.

المصدر: الخليج