طارق إبراهيم
طارق إبراهيم
رئيس تحرير جريدة الوطن السعودية سابقاً

بعد 12 عاما أستذكر صورة التقطتها في أميركا!

آراء

لا أظن أن هناك موضوعا استحوذ على اهتمام المواطنين في السنوات الأخيرة مثلما لاقى موضوع حملة وزارة الداخلية على مخالفي نظام الإقامة في الأسابيع الماضية من اهتمام ومتابعة وتفاعل. ولا أظن أيضا أن موضوعا لاقى نفس الاهتمام والتفاعل من قبل الإعلام السعودي، خاصة من قبل كتاب الرأي في الصحف، مثلما لاقي موضوع الحملة على المخالفين لنظام الإقامة، وبالتالي لا أظن أنني سأطرح جديدا في هذا الموضوع، سوى أنني لاحظت أن معظم من تحدثوا وعلقوا وكتبوا كانوا يبحثون عن رقم رسمي ودقيق عن عدد المخالفين، وقد لاحظت أن بعض أعضاء الغرف التجارية الصناعية ورجال الأعمال ذكروا أن هناك 8 ملايين مقيم غير قانوني يعيشون بيننا، بل أحدهم قال حرفيا “هناك 8 ملايين شخص مفلوتون في مدننا”.

والحقيقة أن الرقم خطير، إن صح، وفي ذات الوقت لا يوجد ما يثبت صحة هذا الرقم، إذ لم يظهر أي شخص من أي جهة رسمية ينفيه، بل الملاحظ أن الأرقام على ألسن المسؤولين متفاوتة.

مشكلتنا مع الأرقام والإحصاءات مشكلة قديمة وشبه عامة، فهي علة واضحة في كافة الجهات، فضلا عن أن الملاحظ من خلال تجربة شخصية على مدى سنوات طويلة في عملنا الصحفي والإعلامي، أن معظم الجهات الرسمية لا تهتم بالمعلومة ولا تهتم بالاستطلاعات وقياسات الرأي والبحوث والإحصاءات، ودائما تستهتر ولا تبالي بأي فكرة تدعوها وتحثها على إعداد إحصاء وجمع معلومات قبل وضع أي خطة عمل أو لمواجهة أي مشاكل والحيلولة دون تفاقمها أو للقضاء عليها.

معظم الجهات الحكومية تتعامل مع المعلومة مثل تعامل المسؤول الحكومي، وأقول الأكثرية منهم وليس كلهم، إذ يرى هؤلاء أنهم أعلم و”أبخص” بواقع الحال، وأن المسألة واضحة وليست بحاجة لدراسة أو بحث أو تقص، وطبعا مثل هؤلاء هم سبب ما نحن فيه من تخبط في القرارات التي نتخذها أو الكيفية التي نعالج بها مشاكلنا وقضايانا. وبخلاف ذلك نرى أن المجتمعات التي توفق في قراراتها دائما ما تستند على المعلومة قبل الإقدام على أي خطوة، مهما كان حجم تلك الخطوة.

أتذكر أنني قبل 12 عاما، وخلال زيارتي لأميركا في مهمة عمل من قبل هذه الصحيفة، التقطت صورة للوحة إعلانات خاصة بحملة إحصاء في “بوسطن” مكتوب عليها “بدون معلومات لا يمكن لنا أن نبني مستقبلنا”، وأنا متأكد أنه لو علم من في شوارع بوسطن أنني كنت ألتقط صورة لتلك اللوحة لضحكوا علي وما علموا أنني ما التقطت تلك الصورة إلا لأنها كانت ملفتة لي، ولأن نقيضها هو ما نعيشه من إهمال للمعلومة وعدم الحث على الحصول عليها، وها أنا بعد أكثر من 10 سنوات أكتب عن المعلومة المفقودة عندنا متألما، ومستذكرا ما دفعني لالتقاط تلك الصورة التي لو كان متاحا لي نشرها في هذه المساحة لفعلت.

المصدر: الوطن أون لاين