بدر الراشد
بدر الراشد
كاتب سعودي

«بل ماهر» و«بن أفليك» والإسلام

آراء

خلال الأسبوع الماضي حدث جدل طريف حول التطرف الإسلامي و«الإسلاموفوبيا»، كان أبرز أقطابه الإعلامي الأميركي بل ماهر، والممثل وكاتب السيناريو الشهير الحائز على جائزة «الأوسكار» بن أفليك.

بل ماهر يتبنى رؤية تؤكد أن الإسلام دين متطرف بالجوهر. وبالتالي فمشكلة التطرف في العالم الإسلامي هي مشكلة في الدين نفسه، انعكست على جميع المسلمين، الذين أصبحوا متطرفين بحكم التعريف. وبالتالي لا يوجد أمل أو حل لهذه المجموعة البشرية «المسلمين» إلا بالتخلي عن عقائدهم تماماً. ليصبحوا ليبراليين، يؤمنون بالتعددية والمساواة وحقوق الشواذ ..إلخ، كما يفعل بل ماهر.

على الجانب الآخر، يتبنى بن أفليك رؤية مغايرة، مفادها أن رؤية بل ماهر رؤية عنصرية وقاصرة، إلى الحد الذي شبهها بنظرة بعض الأميركان البيض إلى السود، باعتبار الخلل في السود في جوهرهم، كما كانت الثقافة السائدة في الولايات المتحدة.

ألمح بن أفليك أيضاً إلى أن الإعلام لا يظهر المسلمين العاديين، الذين يذهبون إلى المدارس، ويمارسون أعمالهم اليومية المعتادة. هذه النقطة تذكِّر بأحد مقاطع الكوميدي الساخر الكندي راسل بيتر، عندما تحدث بأن مشكلة العرب مع الإعلام الغربي، أن العرب «العاديين» مملين. لذا لا يظهر الإعلام الغربي إلا العرب «المتطرفين». والذين شبههم بـ«الرد نك» وهو وصف يطلق على المتطرفين البيض في الولايات المتحدة.

عادة يواجه هذا الجدل من المدافعين عن الإسلام، بطرق مختلفة: الأولى نفي وجود مشكلة تطرف ديني في العالم الإسلامي، واعتبار التطرف حالاً شاذة، تحدث في كل الملل والأمم. فهناك بوذيون متطرفون يضطهدون المسلمين في ميانمار، وهذا لا يعني أن كل البوذيين متطرفين. وهناك يهود صهاينة يحتلون أراضي عربية ويضطهدون المسلمين، وهذا لا يعني أن كل اليهود صهاينة. جورج بوش الابن مسيحي محافظ، قتل مئات الآلاف من المسلمين في حروبه على «الإرهاب» في العراق وأفغانستان، لكن لا أحد يقول إن المسيحية دموية أو يطالب بإعادة نظر إلى الإنجيل والتوراة بوصفهما مصدرين للعنف ..إلخ.

الطريقة الأخرى لمواجهة هذه الاتهامات، كانت من خلال محاولة إبراز مذاهب وعقائد إسلامية تطرح طرحاً مغايراً. وهنا تمتد الحصيلة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في التيار الإصلاحي. من الإصلاحية السلفية، كجمال الدين والأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا ..إلخ في القرن الـ19، حتى أحدث صيحات «الإسلام الجديد» بإمام مسجد مسلم في فرنسا كرس مسجده للشواذ جنسياً، ويقوم بعقد قران المثليين فيه.

الطريقة الثالثة للتعامل مع هذه الاتهامات، كانت من خلال العودة إلى التاريخ المسيحي ذاته، أي فضاء الثقافة الغربية اليوم، باعتبار المسيحية حملت قيماً دموية، وقتلت من البشر عشرات الملايين، إن كان من خلال الحروب الدينية في أوروبا، أو من خلال محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين واليهود، أو حتى اضطهاد الكاثوليك للمذاهب المسيحية الأخرى، والعكس. وبالتالي مشكلتنا اليوم هي ذاتها مشكلتكم قبل قرون.

لكل طريقة أوجه منطقية وأوجه مستهجنة. فمن ناحية، هل التطرف أمر عابر في العالم الإسلامي ومحدود؟ أم مشكلة أنتجت «داعش» و«القاعدة» وميلشيات «أبي الفضل العباس» و«عصائب أهل الحق»..إلخ؟! هل المشكلة إعلامية بتسليط الضوء من الإعلام الغربي على التطرف الإسلامي كلما صعد تنظيم سياسي عنيف في المنطقة كما يحدث مع «داعش» هذه الأيام؟ هل يعكس الإمام الذي يعقد قران الشواذ جنسياً، قيماً إسلامية؟! هل الاستشهاد بالتاريخ المسيحي مناسب في الحديث عن واقع المسلمين اليوم؟ حقيقة، إن أبرز إشكال في كل هذه النقاشات، هو ضبابية المعايير التي يتم التحاكم إليها. طبعاً من غير المتوقع، لا من بل ماهر ولا من بن أفليك، حوار معمق عن مفاهيم سياسية فلسفية كالتطرف والإرهاب والإسلاموفوبيا والعنصرية والإصلاح الديني والعقلانية ..إلخ.

بل ماهر كان واضحاً في مصادراته. فهو اعتبر أن الحكم في المسألة هو القيم الليبرالية. التي يراها أساساً لحكمة. ومن هنا عندما خالفه بن أفليك خالفه من منطلقات ليبرالية لها علاقة بقبول الآخر والتسامح ..إلخ. لكن هل يمكن اعتبار الفضاء الليبرالي فضاء مناسباً للاحتكام إليه! نكتشف أن بعد نحو عقد من الحرب على «الإرهاب» لا أحد يعرف ما هو «الإرهاب» المقصود. فالحرب على «الإرهاب» تستهدف بعض الميلشيات «الإرهابية» في المنطقة وتتجاهل ميلشيات أخرى. بل تستخدم الميلشيات ضد بعضها البعض. الحرب على «الإرهاب» تستثني إرهاب الدولة الممارس من إسرائيل في الأراضي العربية المحتلة من سردية الإرهاب، كما يتجاهل وصف «الإرهاب» ضربات الدرونز الأميركية التي تقتل الآلاف منذ أعوام، جلهم أبرياء، بحجة استهداف «إرهابيين».

نعم هناك مشكلات في بعض دول العالم الإسلامي، أسباب هذه المشكلات مختلفة، بحسب سياق الدولة التاريخي ووضعها الحالي وحالها السياسية والاقتصادية ..إلخ. هناك دول إسلامية (أي أن معظم سكانها مسلمون) تعيش نمواً لافتاً كإندونيسيا وماليزيا وتركيا، وهناك دول انهارت كالعراق وسورية واليمن، وهناك دول أخرى تتأرجح بين بين.

لا يمكن اختصار كل تعقيدات الجغرافيا والتاريخ والثقافة باعتبار المشكلة واحدة والحل واحداً، كما يفعل الساخر الأميركي بل ماهر من منطلقات ليبرالية.

لا يجب أن يكون معيار التقدم والتأخر هو ذاته المعيار الأميركي والأوروبي بقيمه الليبرالية. وخصوصاً مع زيف مفهوم التقدم والتخلف والذي أنتج لنا الاستعمار الأوروبي بكل ويلاته. كما لا يكون للتعددية الثقافية معنى، إذا تم اعتبار الليبرالية هي نهاية التاريخ.

http://alhayat.com/Opinion/Badar-Al-Rashad/4987021

المصدر: الحياة