جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

«بوكيمون» والحرب على الإسلام!

آراء

عندما دعتني السفارة اليابانية في الرياض لزيارة اليابان قبل سنوات، حرصت على أن أضمن برنامج الزيارة لقاء مع مطور البوكيمون، لسببين الأول هو اهتمامي القديم والذي ربما لمسه من يتابع مقالاتي هنا بالألعاب الإلكترونية وشخصيات الرسوم المتحركة، والآخر هو الضجة التي أثيرت قبل أعوام في السعودية ومفادها أن شخصيات هذه اللعبة الإلكترونية والرسوم المتحركة ما هي في حقيقتها إلا جزء من الحرب على الإسلام.

بدأت القصة قبل أكثر من عقد من الزمان وفيما قبل زمن «الإعلام الاجتماعي»، إذ كان الفاكس هو البديل في صناعة الشائعات بينما يقوم الواتس أب اليوم بهذه المهمة، فعمد أحدهم إلى طباعة فاكس قال فيه إن لعبة «بوكيمون» التي شاعت وانتشرت حول العالم وتجاوزت في إيراداتها شخصيات ديزني فهددت الهيمنة الأمريكية على عقول الأطفال بهيمنة يابانية، فزعم أنها مؤامرة يهودية، وأن مطورها يهودي، وأن «بوكيمون» تعني: «أنا يهودي»، وكلمة «بكاتشو» معناها: «كن يهودياً»، وكلمة «تشارمند» معناها: «الله ضعيف»، ومضى صاحب الفاكس الذي لم يعرفه أحد حتى اليوم يفبرك ترجمات لكل شخصيات اللعبة من لدن عقله الضعيف.

انتشر الفاكس وقتها في مجتمع ضعيف الثقة بنفسه، سريع التصديق لنظريات تآمر العالم علينا، فانبرى كتاب الأعمدة يحذرون، والمشايخ يفتون، صودرت ألعاب «بوكيمون» ومجلاته وكتبه وبطاقاته، وتحولت إلى العالم السري والبيع من تحت الطاولة .

لذلك حرصت على زيارة مطور «البوكيمون» لأسأله فيما إذا سمع عن تلك الجلبة التي حصلت في السعودية حول شخصيته المثيرة للجدل «على الأقل في عالمنا».

جلس أمامي في مكتب غارق في اللون الأبيض، لم يكن على الطاولة سوى دمية «بوكيمون» بلونها الأصفر المميز ووضعها بيننا، بعد صور تذكارية معه ومع «البوكيمون» أجابني من أعتقد أنه السيد ساتوشي تاجيري، إذ إن دفتر مذكراتي لرحلة اليابان بعيد عني الآن قائلاً: «حرصت قبل أن أجتمع بك على أن أنظر في أرقام مبيعات «بوكيمون» في العالم العربي فوجدتها شيئاً لا يذكر «طاخ»، بل إننا نعاني من عدم احترامكم حقوق الملكية الفكرية «ضربة أخرى»، نحن الشركة الوحيدة التي باتت تنافس العملاق «ديزني» وهذا ما نفخر به»، ثم استرسل قائلاً إنه سمع أن السعوديين يقولون إنه يهودي وتساءل مبتسماً: «هل أبدو لك كذلك؟»، وأكمل حديثه دون أن ينتظر إجابة: «أنا رجل غير متدين، لا أعبد إلا المال، ولقد عملت الكثير منه لي ولشركتي نينتندو».

تذكرت هذه القصة وأنا أرى سرعة انتشار الشائعات وقصص المؤامرة في مجتمعنا، سياسية كانت أو اجتماعية، والأكثر إيلاماً رفض بعضنا قبول أي رواية تفنّد قناعته، إذ رويت تفاصيل لقائي مطور «البوكيمون» لصديق مؤمن بالمؤامرة «البوكيمونية»، استمع لي جيداً، بعد ساعة قال لي: «ألم يقل لك إنه يعبد المال فقط، لا بد أن أحدهم دفع له مالاً للإساءة للإسلام» سكتُّ بعدها وتذكرت مقولة: «لقد اتخذت قراري فلا تشوش علي بالحقائق».

المصدر: مجلة روتانا