عبد الله الشمري
عبد الله الشمري
عبد الله الشمري كاتب و باحث سعودي متخصص في الشؤون التركية

بين الاتحادين الاوروبي والخليجي

آراء

مثلت الدعوة التي أطلقها ونستون تشرشل عام 1948م لاقامة (الولايات المتحدة الاوروبية) بداية فكرة الاتحاد الأوروبي، وهي بحق حالة استثنائية في التاريخ السياسي العالمي، ابتداء بفكرتها الوحدوية ومرورا بمواجهة التحديات التي واجهتها وانتهاء بصياغتها بنهج تدرجي يوازن بشكل فريد بين المتطلبات الاقتصادية والأوليات السياسية وفكرة التوسع المستمر والتي لا تتوقف عند حدود أوروبية معينة.

بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي، فقد مثل احتلال الكويت عام 1990م امتحانا قويا اثبت المجلس قدرته على التوحد الاستراتيجي والمصيري، وبالتالي فان حل أزمة الاحتلال العراقي للكويت لا يمكن تصورها بأي حال من الأحوال خارج نطاق توحد الموقف الخليجي، وهذا الأمر يشمل المبادرة الخليجية في اليمن والتي أنقذت اليمن (مؤقتا على الأقل) من مصير كمصير ليبيا أو سوريا.
فيما يتعلق بالعلاقات الدولية، فقد رسمت دول مجلس التعاون خطة العبور إلى محيطات أوسع وإلى آفاق إقليمية وعالمية، فدشنت حوارات استراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية وروسيا والصين والاتحاد الاوربي وتركيا ودول اخرى، ولا زالت هذه الحوارات تحتاج للاستمرار وتوحد المواقف لتعزيز قوة المجلس التفاوضية.

وحسب الخبير التركي في الشئون العربية زاهد غول فان تجربة مجلس التعاون الخليحي هى الأفضل عالميا بعد تجربة الاتحاد الاوروبي (مع فارق الانجازات)، إذا لم يشهد العالم منذ العام 1945 تجربتين ناجحتين كما حدث من إنجاز الاتحاد الاوروبي وإنجاز التعاون والتنسيق بين دول الخليج، مع العلم أن تركيا حاولت منذ العام 1992م انشاء اتحاد للدول الناطقة باللغة التركية إلا أن هذه المحاولة لم تنجح رغم تشابه الدين والتاريخ والعرق واللغة والثقافة.

من الناحية البراجماتية الصرفة، فدول مجلس التعاون تحتاج لتعميق التعاون فيما بينها، ليس فقط من أجل المصالح المشتركة بل من أجل مواجهة التهديدات المستجدة في منطقة تواجه أزمات خطيرة، وأبرزها الأزمة السورية وبدء تحولها لأزمة اقليمية تهدد مصير الاقليم، وتحتاج دول المجلس بعضها البعض للتعامل مع ايران الجديدة ومواجهة احتمال تحول اليمن إلى مصدر تهديد للأمن الخليجي المستقبلي بسبب الظروف غير المستقرة التى يعيشها، ومن ناحية اخرى، فان العلاقات الآنية مع العراق لا تنبىء بأي مستقبل مشرق، كما أن مستقبل الوضع في أفغانستان لن يكون في صالح دول المجلس وسط ظهور بوادر واضحة لتفاهم أمريكي ايراني حول مستقبل افغانستان، وعلى المستوى الاقتصادي، فان من المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت في إنتاج المزيد من موارد الطاقة واستيراد نسبة أقل من الخليج، لذا فإن اهتمامها سيقل بالبترول الخليجي، ولذا فان المستقبل لا يبدو واعدا بالنسبة للعلاقات الخليجية الأمريكية، ولكن هذا لا يعني أنها تتجه للأسوأ من حيث إن العلاقة سبق وأن عبرت خلافات أكثر خطورة من الحالية.

الموقف العماني الأخير من رفض فكرة الاتحاد وظهور أصوات خليجية أخرى من بعض الدول تؤيده على استحياء أو بصمت، جعل كثيرا من المحافظين السعوديين يرددون في مجالسهم الخاصة وبكل صراحة أن (دول الخليج الأخرى هي التى بحاجة أكثر للاتحاد من السعودية، وبالتالي فيفترض أن تكون أكثر حماسا وإصرارا ونداء بتسريع اتحاد خليجي والا فان السعودية لن تحزن).

أخيرا، توجس بعض الشخصيات الخليجية من مشروع الاتحاد غير مبرر، فإذا صدقت النيات وارتفعت الطموحات فإن القواسم المشتركة التي تجمع بين دول المجلس تمثل عاملا في غاية الأهمية، يمكن بفضله الوصول إلى صيغة تكاملية تحقق كل رغبات وطموح دول المجلس على المستويين الرسمي والشعبي.

المصدر: اليوم