حسن بن سالم
حسن بن سالم
كاتب و باحث سعودي

تجربة سعودية في الدولة «الداعشية»

آراء

سليمان سعود السبيعي (25 عاماً) المعروف بـ«السمبتيك» شاب سعودي حظي بشهرة ونجومية واسعة ومتابعة كبيرة من خلال طرحه الساخر الهزلي الممزوج بالترفيه في موقع مقاطع الفيديو القصير «keek». لكنه – ومنذ أشهر عدة – فاجأ جميع متابعيه بذهابه إلى سورية عن طريق تركيا والانضمام للقتال تحت راية تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية (داعش) التنظيم الأشد فتكاً وإجراماً في تاريخ السلفية الجهادية، ثم يقرر في كانون الثاني (يناير) الماضي العودة إلى أرض الوطن وتسليم نفسه إلى السلطات السعودية باختيار منه، ويعود إلى الظهور أخيراً عبر شاشة التلفزيون السعودي ليحكي تجربته وقصة خروجه وذهابه إلى سورية والتحاقه بتنظيم داعش، وتكمن أهمية هذه التجربة باعتبارها شاهد عيان على جملة من الحقائق التي بات يعرفها ويسمع عنها الكثيرون عن هذا التنظيم الإرهابي.

لم يكن الدافع لـ«السمبتيك» للالتحاق بداعش هو الانتماء إلى تنظيم القاعدة أو تبني أفكار السلفية الجهادية، فهو شاب طبيعي لا تظهر عليه معالم التدين والتشدد وبلا خبرة أو معرفة في مجال الحركات الجهادية، كما يقول: «لم تكن لدي أية خلفية سابقة عن التوجهات الفكرية لداعش وجيش النصرة والجيش الحر»، ولكن هناك ظروف ومسببات جعلته وغيره مهيّأً ومستعداً للانقياد والانصياع إلى مثل هذه التنظيمات، وهو ما يجعلنا نؤكد أن ظاهرة تبني فكر «القاعدة» والعنف والإرهاب لا يمكن في كل الأحوال اختزال تفسيرها دوماً من منطلق تلقي وتبني الأفكار الدينية المتطرفة الديني ابتداءً، مروراً بالاقتناع بفكرة النفير والهجرة وانتهاءً بالتنفيذ والانخراط في التجربة المسلحة.

نعم، قد يُسهم ذلك كثيراً في خلق الشخصيات المتطرفة وتهيئتها، ولاسيما في بيئة يحظى فيها الخطاب المتطرف بالحضور والتأثير في مستويات عدة، ولكن هناك دراسات تؤكد أن الإرهاب والتطرف ظاهرتان ومنتَجان مركبان من عوامل متصلة بالبيئة الداخلية وتدخل من عوامل بيئة خارجية، وبمسببات دينية ودنيوية، وهي مرتبطة بعوامل مختلفة، منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والآيديولوجية، وبحالات التنافس والصراع الدولي التي ساعدت في تغذية ونمو ظاهرة الإرهاب. وهناك أيضاً أحد أبرز المؤثرات لها وهو الدور الذي يلعبه الوسيط الإلكتروني، واعتبر مارك سيغمان (متخصص في علم النفس السياسي وأحد ضباط المخابرات الأميركية سابقاً وممن كان حلقة وصل مع «المجاهدين الأفغان» على مدى أعوام في كتابه «جهاد بدون قائد») أن الجيل الحالي – وهو الجيل الثالث من الإرهابيين ممن يسميهم «الطامحين إلى الإرهاب» – هم على خلاف الجيلين الأولين اللذين كان أفرادهما يمتلكون التدين والقناعات والعلم الديني، فإن الجهاديين الجدد في هذه المرحلة نتاج ثقافة الإنترنت. وإذا أثارت صورة أو لقطة في فيديو غضبَهم فإنهم يتجمعون في الإنترنت ويشجِّع بعضهم بعضاً على القيام بعمل معين، وشأن الشباب عبر الحدود الزمنية والدينية أنهم يشعرون بالسأم ويتطلعون إلى الإثارة الحسية»، وفي ظل ذلك فإن تنظيم القاعدة والتنظيمات الجهادية تبرز كمستثمر ومستغل لكل تلك الظروف والمؤثرات في التجهيز والتجنيد.

الشاب السعودي سليمان السبيعي (السمبتيك) في حواره التلفزيوني تناول حقائق مهمة حول انتهازية واستغلال «داعش» وتكفيرها للآخرين، فشهرته على مواقع الإنترنت كانت الغنيمة التي بحث عنها مقاتلو التنظيم في بعث رسائلهم وتمرير أفكارهم ودعواتهم للآخرين بالنفير والقتال واستغلاله في الاستقطاب. كانت البداية نشرُ أخبار التنظيم، ولكن حينما طلبوا منه الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي ودعوة الشباب السعودي للجهاد في سورية رفض ذلك، فما كان منهم إلا أن طلبوا إدارة حسابه في «تويتر» بحجة ضعف خلفيته الشرعية، وتم بعد ذلك تجنيده في نشر رسائل التكفير للحكومة السعودية وبعض علماء الدين، وهو أمر ليس بمستغربٍ، فهم قد كفَّروا الجيش الحر والائتلاف الوطني السوري بالجملة، وكذلك دعوا من خلال حسابه إلى الانضمام والقتال تحت رايتهم، فعملية الاستقطاب الإلكتروني عبر شبكات الإنترنت ومن خلال نخبة من مختلف الجنسيات هي أهم سلاح تمتلكه وتسخّره هذه التنظيمات الإرهابية كممارسة «تسويقية»، لتوسيع نطاق التجنيد والوصول إلى فئات أوسع من الشباب وتوظيفهم واستغلالهم في خدمة مصالحها واستخدامهم حطباً للعمليات التوسعية التي تشنها «داعش»، وتدعيم ذلك بتأصيل وتنظير شرعي، لتسهيل عملية الاقتناع والانضمام إليها من أولئك الشباب، من خلال تأليف ونشر بعض الرسائل المدعومة بالحجج الشرعية مثل كتاب «موجبات الانضمام للدولة الإسلامية في العراق والشام.. اعتراضات وإجابات» لأبي الحسن الأزدي، وأكد أن الشباب السعودي تم استغلالهم واستخدامهم من «داعش» كحطب في القتال للعمليات التوسعية التي يشنها التنظيم ليس ضد النظام وإنما في المناطق المحررة ضد الجيش الحر وبقية الفصائل المقاتلة الأخرى، وهي استراتيجية عامة انتهجتها «داعش»، إذ ينتهي المطاف بهؤلاء الشباب الذين خرجوا بدافع حماسي شديد إلى أن يبادر كل منهم إلى قتل دم الآخر واستباحته من أجل هذا التنظيم أو ذاك. لقد أدرك «السمبتيك» – ومن خلال حديثه الذي استمر 20 دقيقة – حقيقة الواقع الذي عاشه هناك، فاستطاع أن ينجو بنفسه قبل فوات الأوان، ولا تزال الفرصة قائمة أمام غيره من الشبان الذين لا يزالون يقاتلون في الخارج تحت أي دافع من الدوافع إلى استغلال واستثمار منح السلطات السعودية كل من تورط وشارك بأعمال قتالية خارج المملكة بأي صورة كانت مهلة إضافية مدتها 15 يوماً لمراجعة النفس والعودة إلى الوطن».

المصدر: الحياة