علي سعد الموسى
علي سعد الموسى
كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية

تحويل الدين إلى خرافة وتجارة

آراء

سأعود للمنبع من رأس القصة: ليلة العاشر من المحرم الماضي، اتصلت متطوعاً بأحد الإخوة الكرام من فضلاء إخواننا في المذهب الشيعي كي أعلن له دهشتي العميقة من تحويل المذهب والدين أيضاً إلى طقوس حركية ونثرية على وفاة سيدنا، أبي عبدالله، الإمام الحسين بن علي، كرم الله وجهه. وبالطبع، لم أكن أناقش مع فضيلة المرجع الكبير، فاجعة الأمة بمأساة مقتل سبط النبي المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، بقدر ما أنا أسائل هذا الخروج الجماعي الهائل في مسيرات اللطم و”التطبير” وأنهار الدم السائلة من الأجساد، التي أتفهم مصيبتها، ولكنني لا أفهم أن يتحول الدين إلى تراتيل وطقوس لا علاقة لها بالفقه أو العقيدة. خلصت مع فضيلته من النقاش الطويل إلى اختصار رده فيما يلي: أولاً، أن المذهب نفسه منقسم في جواز تفسير هذه الحالة بين من يرى فيها الجواز والفضل، وبين من يرى فيها البدعة الخالصة، ولكن الجزء الأخير مجرد أصوات شاردة لا تستطيع وقف هذا الحكم الجمعي من الجمهور الذي يخشى معه هذا (المرجع) أن يتحول الدين والمذهب إلى مجرد أساطير وأفعال جمعية وطوابير في هذه المسيرات العزائية التي لم تكن حتى في شيء من هذه الأعداد قبل ثلاثين سنة. هو يرى ثانياً، في العموم الشامل لكل المذاهب الإسلامية المختلفة أن هذا الدين العظيم تحول مع ثورة الاتصال المدهشة وعصر الفضائيات المتلاطمة إلى شيء يشبه (البيزنس) في المتاجرة باسم الدين، وهنا المدخل الحقيقي لمناقشة هذه الظاهرة التي لم تستثن مذهباً أو فصيلاً في عالم (الإسلام اليوم)، رغم أسفي أننا لا نعي خطورة هذا التوجه.

يقول الإمام على بن أبي طالب، كرم الله وجهه (العلم قطرة كثرها الجاهلون). فكيف أكثر الجهل هذه القطرة؟ والجواب يكمن في تحويل هذا الدين إلى وظيفة، ومن ثم تحويله إلى تجارة وعمل ربحي. خذوا هذه المقاربات: تقول الإحصاءات (غير المؤكدة) إن جملة عوائد ما يقرب من 100 قناة فضائية عربية من مواسم الذروة في شهر رمضان المبارك تناهز 20 مليار دولار من (البيزنس) الشامل حول أيام هذه الفضيلة. وبالطبع أنتجت هذه الحمى الكثيفة من البرامج والمسلسلات والأفلام كل هذا الجدل الهائل من الاختلاف والتضاد باسم هذا الدين العظيم، ولكم من الخيال أن حلقة واحدة منها قد استأثرت ووحدها بما يقرب من 700 ألف تغريدة تويترية، كلها تنضح بما شاهدتم من الإقصاء والعداء السافر والانحياز أو التراص في الخندق المقابل.

تقول الإحصائية الأخرى إن مجموع ما يكتب حول هذا الدين العظيم إلكترونياً في اليوم الواحد قد يزيد عن مئتي ألف صفحة مكتملة، وهو رقم يفوق بمئة مرة ما كان يكتب عن هذا الدين في عام كامل قبل خمسين سنة، ومرة أخرى، فإنه بحسب موقع (الراصد) الإلكتروني فإن ما يكتب حول هذا الدين العظيم في يوم واحد من أيام هذا الزمن يفوق بالضبط كل ما كتب ودون حول هذا الدين في كامل القرنين الثاني والثالث من تاريخنا الإسلامي: بحسب هذا الموقع أيضاً فإن مجموع المؤلفات في القرون الثلاثة الأولى لم تتجاوز 180 ألف صفحة. وعوداً على بدء، في الفقرة الأولى من المقال، فإن ذات الأرقام التي يقولها موقع (الدعوة) الشيعي تقول إن زيارة العتبات المقدسة في المذهب الشيعي تدر دخلاً استثمارياً لكارتيل التجارة باسم هذا الدين يصل إلى تسعة مليارات دولار في العام الواحد، وإن حول هذه الزيارة آلاف المصالح لملايين المنتفعين الذين حولوا قصة تاريخية مؤلمة إلى شعيرة وفريضة دينية.

وخذ في المقابل من المذهب السني حجم تجارة التطبيب بالقراءة وما يتبعها من المبيعات وما حولها من البيزنس، التي أصبحت ظاهرة لافتة يضج كثير منها بأشياء من التدليس والشعوذة وتحويل الدين إلى خرافة وأسطورة من أجل الكسب المادي المباشر. خذ بالمثال أيضاً ظواهر تفسير الأحلام التي أصبحت لها عشرات البرامج والمتخصصين بكل ما يتبع هذه الفضائيات والبرامج من متابعة مكثفة ومن حركة للإعلام والرسائل حتى يتحول هذا الدين إلى مجرد سلعة فيها الكاسب على حساب الخاسر: الخاسر هو هذا الدين العظيم وسمعته التي تلطخت على يد أبنائه والمنتسبين إليه. ما يحدث بالضبط هو تمثيل حي لمقولة الإمام علي: العلم قطرة كثرها الجاهلون.

المصدر: الوطن أون لاين