تربويون وخبراء: اكتفاء طلبة بالمرحلة الثانوية يخلق طبقة محدودة المهارات

أخبار

«45.2% من طلبة المدارس الثانوية الحكومية في أبوظبي لا ينوون الالتحاق بالجامعات، مقابل 28% من طلبة المدارس الخاصة»، جزء من نتائج استبيان أجراه مجلس التعليم في أبوظبي، أخيراً، والتي أثارت قلق تربويين وخبراء في مجال التعليم وأساتذة جامعيين، ووصفها بعضهم بالصادمة.

وأكدوا، لـ«الإمارات اليوم»، أن هذا من شأنه التأثير في مخرجات العملية التعليمية، وخلق طبقة متوسطة التعليم محدودة المهارات.

وعزوا هذه النتائج إلى أسباب شخصية واجتماعية واقتصادية، أبرزها زخم الواجبات المطلوبة من الطلبة، ما أدى إلى جعل البيئة التعليمية طاردة للطالب، والخلل في الإرشاد المهني والأكاديمي في المدارس والجامعات، إضافة إلى أن المخرجات التعليمية لا تتوافق مع متطلبات الالتحاق ببعض الجامعات.

وأشاروا إلى أن ضغوط الحياة قد تغلب كفة الماديات على الدراسة، فيلجأ الطلبة إلى العمل لتوفير المال اللازم لتلبية متطلبات الحياة، مع استكمال التعليم الجامعي على نفقة الجهة التي يعمل فيها، لاسيما في ظل ارتفاع كلفة الدراسة في الجامعات الخاصة.

وفي المقابل، فإن الرفاهية المفرطة قد تجعل الطالب يختار أقصر الطرق وأسهلها لتحقيق أهدافه، لافتين إلى أن قلة عدد المنح الدراسية تدفع الطلبة إلى التوقف عن الدراسة.

واقترحوا عدداً من الحلول، منها تنظيم زيارات دورية لطلاب الثانوية للجامعات، لتحسين الصور الذهنية لديهم عن التعليم الجامعي، وتنفيذ حملات توعية في المدارس، حول أهمية المرحلة الجامعية في حياة الطالب ورحلته المهنية، والاكتفاء باختبار الكفاءة الطلابية التابع لوزارة التربية والتعليم لشؤون التعليم العالي (سيبا)، والاستغناء عن (الايلتس)، مؤكدين أهمية تحفيز الأسر أبناءها وتشجيعهم على إكمال الدراسة.

إلى ذلك، قال طلبة في المرحلة الثانوية إن من أبرز أسباب العزوف عن الالتحاق بالجامعات، حاجة الجامعات لسنة تأسيسية تأهيلية بعد الثانوية العامة، وارتفاع المصروفات الجامعية، فضلاً عن اشتراط كثير من جهات العمل حصول خريجي الجامعة على تقدير مرتفع، كشرط أساسي في التعيين.

في المقابل، أكد مستشار وزير التربية والتعليم لشؤون التعليم العالي، أن نسبة الطلبة الملتحقين بجامعات الإمارات هي من أكبر النسب في دول المنطقة العربية، رغم وجود نسبة من الطلاب لا تستكمل دراستها الجامعية.

وأيده الرأي عضو في المجلس الوطني الاتحادي، قائلاً إن الشباب المواطنين ليسوا في حالة عزوف عن الالتحاق بالجامعات، إنما يبحثون عن تأمين مورد اقتصادي أولاً، من خلال التحاقهم بوظائف بشهادة الثانوية العامة.

قال عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الشارقة، الدكتور أحمد صلاح العموش، إن نتائج الاستبيان، الذي أجراه مجلس أبوظبي للتعليم، بشأن وجود 45.2% من طلبة الحلقة الثالثة في المدارس الحكومية (من المشمولين بالاستبيان)، و28% من طلبة المدارس الخاصة، لا ينوون الالتحاق بالجامعات، تستدعي تكثيف جهود المؤسسات التعليمية، لتعزيز أهمية التعليم الجامعي وقيمته في عقول الطلاب.

وأضاف: «يجهل بعض الطلاب القيمة الحقيقية للتعليم الجامعي، والذي من شأنه تغيير حياتهم إلى الأفضل، من خلال مساعدتهم في الحصول على فرص وظيفية تحقق لهم المكانة الاجتماعية التي ينشدونها»، مشيراً إلى أهمية تنظيم زيارات دورية من قبل الجامعات للمدارس الثانوية، لتحسين الصور الذهنية لدى الطلبة عن التعليم الجامعي ودوره في تحديد مستقبلهم، إلى جانب استضافة أساتذة أكاديميين في المدارس لعقد جلسات مفتوحة مع الطلاب، لينقلوا لهم تجاربهم في عملية التعليم الجامعي.

من جهتها، ذكرت الأستاذة في قسم الاجتماع في جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، الدكتورة أمينة بوشهاب: «أدى تجريب أنظمة تعليم مختلفة على الطلاب، إلى جعل البيئة التعليمية طاردة، خصوصاً أن معظم هذه الأنظمة مليء بأعباء وزخم في الواجبات، ما يولد داخل الطلبة رغبة في الفرار من التعليم سريعاً، وعدم التفكير في الالتحاق بالجامعات».

وأضافت: «هناك خلل لابد من الإسراع في إصلاحه، هو أن الدراسة لم تعد غاية أو هدفاً للطلاب كما كانت في السابق، إنما ضرورة فقط للحصول على عمل في المستقبل، في ظل زيادة ضغوط الحياة التي تغلب كفة الماديات، فيكون الخيار الأمثل سوق العمل بدلاً من الدراسة».

إلى ذلك، وصفت الأخصائية الاجتماعية، فاطمة الشحي، نتيجة الاستبيان بـ«الصادمة»، مؤكدة أنها تحتاج إلى دراسة متأنية ودقيقة من الجهات ذات الاختصاص، لتحديد أسبابها.

وأضافت: «لعب نمط الحياة الذي يعيشه الطلاب حالياً، والمتجسد في الرفاهية المفرطة المحكومة بالماديات، دوراً كبيراً في توجههم نحو أقصر الطرق وأسهل الخيارات لتحقيق الأهداف، فأصبحت سوق العمل خيارهم، عوضاً عن الالتحاق بالجامعات، غافلين الفوائد التي سيجنونها مستقبلاً من الدراسة، وهنا يبرز دور المؤسسات التعليمية في التوعية بأهمية الالتحاق بالجامعات، عن طريق عقد محاضرات وندوات توعوية، تسلط الضوء على نماذج متميزة استطاعت أن تحقق نجاحات يشار إليها بالبنان، من خلال التحاقهم بالجامعات، وإصرارهم على إكمال دراساتها العليا».

وقالت الشحي «تقع على عاتق الوالدين مسؤولية تحفيز الأبناء، وتشجيعهم على إكمال الدراسة، واعتبار هذا الدور جزءاً أصيلاً في عملية التنشئة».

إلى ذلك، أفاد المدير العام لمجمع دبي للمعرفة ومدينة دبي الأكاديمية العالمية، محمد عبدالله، بأن عزوف طلبة عن الالتحاق بالتعليم الجامعي، يشير إلى وجود خلل في الإرشاد المهني والأكاديمي في المدارس، يتطلب حلولاً سريعة وآنية، مضيفاً: «كثير من المدارس ومؤسسات التعليم العام لا تهيئ الطالب للمرحلة الأكاديمية بشكل كافٍ، وتغفل توعية الطلاب بالمسارات الجامعية المطلوبة لسوق العمل مستقبلاً، الأمر الذي يدفع البعض إلى العزوف عن التعليم الجامعي، وهناك آخرون يتركونها بعد السنة الأولى من الجامعة، إما نهائياً أو إلى تخصصات أخرى».

ولفت إلى أن أسباب العزوف قد يعود بعضها إلى أمور ومشكلات شخصية، غير مرتبطة بالجانب الأكاديمي، حيث يفضل بعض الطلاب الاكتفاء بالمرحلة الثانوية والاتجاه إلى سوق العمل مباشرة، نتيجة قصور في التحصيل العلمي لا يشجعهم على الالتحاق بالجامعة.

وذكر عبدالله أن الحل الجذري يتمثل في توعية الطلبة، من قبل المدارس، بأهمية المرحلة الجامعية في حياتهم ورحلتهم المهنية، في ما بعد.

فيما أوضح أستاذ الثقافة الإسلامية ومجتمع الإمارات في الجامعة الكندية في دبي، الدكتور سيف الجابري، أن عزوف الطلبة عن الدراسة الجامعية مؤشر سلبي، يجب تداركه سريعاً.

وأشار إلى أن أهم الأسباب، التي تدفع الطلبة إلى عدم استكمال دراساتهم الجامعية، ارتفاع كلفة الدراسة بالجامعات الخاصة، وصعوبة شروط الالتحاق بالجامعات الحكومية، وقلة عدد المنح الدراسية.

ولفت إلى أن من الأسباب أيضاً وجود وظائف لخريجي الثانوية العامة في بعض الجهات الحكومية، برواتب أعلى من رواتب خريجي الجامعات، المعينين في العديد من الجهات الحكومية والخاصة، ما يدفع الطلاب إلى التوقف عن الدراسة والعمل بمنطق عدم إضاعة الوقت، وإرهاق النفس في الدراسة، طالما يتوافر البديل الأفضل، إضافة إلى أن إيجاد وظيفة حالياً بشهادة الثانوية أصبح أسهل من إيجادها بالشهادة الجامعية. وقال الجابري: «هذا التوجه يؤثر في مكتسبات الدولة ومخرجات العملية التعليمية، ويخلق طبقة متوسطة التعليم محدودة المهارات».

من جانبها، أرجعت مدير شؤون الطلاب في جامعة الإمارات للتطوير التربوي، الدكتورة سميرة النعيمي، عزوف نسبة من الطلبة عن الالتحاق بالجامعات، إلى عدم ثقة البعض بقدراتهم، وخوفهم من الفشل، واختصار الطريق بالعمل مبكراً بشهادة الثانوية، وصعوبة الدراسة باللغة الإنجليزية، خصوصاً أن الدراسة في الجامعات باللغة الانجليزية، والتي لا يتقنها العديد من الطلبة بصورة جيدة، بالإضافة إلى أن المخرجات التعليمية لا تتوافق مع متطلبات الالتحاق بالجامعات، ومن أهمها شرط «الايلتس» بدرجة عالية. واقترحت الاكتفاء باختبار الكفاءة الطلابية، التابع لوزارة التربية والتعليم لشؤون التعليم العالي (سيبا)، والاستغناء عن «الايلتس»، أو وضع متطلبات الحصول على «الآيلتس» ضمن المخرجات التعليمية، بحيث يحصل عليها الطالب مع حصوله على الثانوية، كما هو مطبق في المدارس الدولية.

طلاب: فرص عمل مغرية بالثانوية فقط

أفاد الطلاب في المرحلة الثانوية: سيف الحمادي، محمد عبدالرحمن، خليفة صالح، بأن أبرز أسباب عزوف طلاب عن المرحلة الجامعية، تتمثل في رغبتهم في بدء حياتهم المهنية في أسرع وقت، خصوصاً أن هناك فرصاً مغرية، تتاح لهم بالشهادة الثانوية فقط، إضافة إلى صعوبة المرحلة الجامعية.

وأضافوا: «تعد الشروط التي تضعها بعض المؤسسات لقبول تعيين خريجي الجامعات دافعاً للعزوف عن الدراسة الجامعية، حيث تشترط للتعيين حصول الخريج الجامعي على تقدير مرتفع، الأمر الذي يضيع آمال كثيرين قضوا سنوات في دراستهم الجامعية دون جدوى»، مشيرين إلى أن حاجة الجامعات لسنة تأسيسية تأهيلية بعد الثانوية العامة، وارتفاع المصروفات الجامعية، سببان أساسيان أيضاً وراء عزوف كثير من الطلاب عن التعليم الجامعي.

المصدر: الإمارات اليوم