علي القاسمي
علي القاسمي
كاتب سعودي

تقاسيم (أعيدوا النظر في رياضتنا!)

آراء

الشارع السعودي الرياضي لم يكن عادياً الأسبوع الماضي، وليس عادياً كذلك في مداولات الأعوام الماضية، لكن المؤشر في الأسبوع الأخير ارتفع عن السقف الطبيعي للطرح والتناول، لتكتشف بمعية هذا الارتفاع ومع الخروج الحاد عن مسار العقل أن الرياضة المحلية تذهب لمنعطف لا يطمئن مطلقاً، وتلمس بالأدلة القاطعة أن الحدود المتعارف عليها للتشجيع والتعاطف والاستمتاع ذهبت إلى ما هو أبعد وأفظع من مفردات التشكيك والاستهزاء والتشنج والرمي بالتهم والإسقاطات والتصرفات الخارجة عن حدود الأدب والوعي. عرفنا أن الرياضة هي المساحة المحلية المتاحة للمتعة والفرجة، وكرة القدم سيدة هذه المساحة والعابثة بالقدر الأكبر منها، ومنذ أن انحرفت عن مسارها في مشهدنا السعودي استعصت علينا البطولات ومنصات التتويج وميداليات الذهب، وذاك ناتج طبيعي متوقع للهبوط الرياضي العام في العقول واتكائها على التعصب والاحتقان والتشنج «الأهبل».

لكم أن تتخيلوا أن تقدمنا مباراة رياضية بهذا الشكل الهزيل، وتحولنا لبالونات قابلة للانفجار، وتفرز لنا من الاحتقان ما لم يمكن أن يفرز إلا من طريق الفعل الرياضي وبوابة المستديرة، من مباراة واحدة خرج لنا من يفتي ويصنف ويلعن ويشتم ويدعي وينذر، وفي المقابل كان هناك من يتوعد ويصلي ويقسم ويطلق ويتصدق، أي هراء نذهب له؟ ومن حشر الجيل المهووس بالرياضة في زاوية ضيقة وملتهبة تغيب عقلها تماماً وتستدعي لوازم الكراهية والتصنيف وبناء الولاء الوطني على الانتماء الرياضي.

لست متفائلاً بأن نستعيد ذكريات الفرح، وأيام الانتصارات طالما كانت البيئة الرياضية بهذا الطرح المترهل والتشنج الزائد والتصفية لمجرد خصام على ثلاث نقاط أو كأس منسي في أدراج مهملة ويلتحفها الغبار والصدأ، الرياضة تعود للخلف على مختلف الأصعدة فلم يعد منتخبي الوطني منتخب الجميع، أصبح منتخباً للأندية وتحول المشجع تحت تأثير الطبول البشرية والعقول المأزومة لمقاتل من أجل النادي ولا تهمه راية وطنية ولا انتصار تاريخي، وللأمانة فارتداد رياضتنا للخلف ارتداد مخيف ومثير ومستوجب للمساءلة والتدقيق في الأسباب وناقل حركتنا الرياضية عكسي حتى اللحظة.

لن تعود للرياضة لسابق عهدها والصفحات الرياضية تقدم الغث في قالب سمين، ولن تعود وجل من يشغل الشاشات الرياضية بين التحليل والتخليل، لن تعود وهناك من يدخل للمجال الرياضي مفكراً في الموائد والفلاشات والأرباح الشخصية البحتة وأصباغ الوجه وقصات الشعر، لن تعود رياضتنا كما كانت ولاعبنا الوطني يخرج بقميص نظيف إلا من البلل المنتظر من مشروع جري وركض عديم الجدوى، لن تعود ونحن نلون صفحاتنا الرياضية بألوان الأندية وبحماقة متجاوزة وعبارات تصنع جيلاً من صناعة الشارع أكثر من أي شيء آخر. كنت أريد أن أقول أعيدوا للرياضة هيبتها، ولكن ذلك مشروع كبير لن يتحقق في غضون 10 أعوام قادمة، إذا ما كان الهدف من المشروع عميقاً في العقل والقلب، أقول فقط أعيدوا النظر في الذين يعبثون في رياضتنا والجيل العاشق لها وينفذون من خلالها لما هو خارج النص والحدود المفترضة، أبعدوهم ونظفوا الميدان الرياضي منهم فالضريبة ليست سهلة، فمن البوابة التي كنت أعتقد وأؤمن أننا سندخل معها لمواطنة لذيذة ممتعة أصبحت أتوقع أن يستمتع الآخرون بمهازلنا ويختارون لهزيمتنا من يتمناها من الحمقى والممتلئون بالفراغ والغباء وضيق الأفق.

المصدر: الحياة

http://ow.ly/DMGgl