علي القاسمي
علي القاسمي
كاتب سعودي

تقاسيم (لماذا هربت «فتاة»؟)

آراء

يكون السؤال بهذه الصيغة المباشرة خير مدخل لدائرة اجتماعية بدأت تأخذ في الاتساع شيئاً فشيئاً وقد ننتظر، كالعادة، إلى أن تصبح دائرة أكبر لكي نتحمس حينها إلى عقد ورش التنظير، ولقاءات الحديث المجاني وترتيب المؤتمرات التي تنتهي دوماً كما تبدأ. تهرب الفتاة مقهورة وبدافع حاجة أياً كان نوعها، لكن هربها ينتهي عند محاضر الضبط وتسلم ذويها لها من دون أن نبحث عن الأسباب القاسية التي دفعتها بقوة، وبلا ثانية واحدة لتفكير أخير قبل لحظة الهرب المريرة.

يكبر جرح إجابة سؤال الهرب عندما يتضح إلى أين هربت؟ ومع من؟ أو عند من؟ وكم هي المدة التي قضتها في رحلة الاختباء والاختفاء؟ نتعامل مع هذه القصص المتفرقة كندوب في الوجه الاجتماعي ونخجل من ذكرها والمرور عليها، فنحن نتعامل مع الهرب كفضيحة كبرى لا علاج لها إلا الستر، المدرسة لا تسأل عن حال الفتيات وظروفهن وأوجاعهن، ولا وسيلة اتصال معلومة تضغط عليها أصابع فتاة مكسورة فيفزع لها أحد، وإن حدث فستكون الفزعة أقرب إلى كشف المستور وإعادة قسرية للحضن الذي كرهته والبيت الذي هربت منه!، أيضاً لا جدار تستند عليه في ما لو نقصتها متطلبات معيشة أو حاجات نفسية وعاطفية ومادية، لأن القائم بأعمالها هو الأخ الصديق والعزيز/ الرجل!

لهرب الفتيات مسببات متشابهة إلا أنه لا أحد يرغب في أن يناقشها ويفتح أوراقها للملأ، وما يؤلم أني أسمع عن أسر رفضت تسلم فتياتها اللاتي هربن عنها، وهربن من جحيم لا يطاق وذل كبير، وعنف لا يقاوم، وحياة يفضل الشارع عليها!

من يتبنى قصة هرب الفتيات ويبحث عن أسبابها ويعاقب من يسهم فيها أباً كان أم أخاً أم زوجاً أم عشيقاً؟ ومن يضمن للفتاة حقوقها وحضور صوتها ولو في منزلها دون ترهيب وعنف ودفع رديء للشارع؟ هل نتفق أن الحرمان العاطفي والعنف الأسري والكبت الاجتماعي والظلم المتواصل مفاتيح جل قصص الهرب!

ربما شرعت بعض الجهات المعنية في بحث الأسباب ومناقشتها والوقوف عليها، لكن هل من نتائج شفافة، وهل تتحفنا بالأرقام وما وراءها في الواقع؟ أم أن الشروع شكلي ومن أجل الحصول على أولوية التصدي الباكر، مع رجائي إن كان شروعها على الواقع لا الورق ألا تستخدم أسلوب التهدئة وتخفيف وجع الهرب أملاً بتلافي بعث الخوف وسط المجتمع ولتقول الحقيقة مهما كانت مؤلمة وتعمد للخطوط العريضة تلك التي ندوسها بالتطمينات والأكاذيب.

وحتى نوقف قصة هرب فتاة يجب أن نصدق مع أنفسنا ونضع النقاط في مكانها الدقيق لمعالجة المسببات والدوافع المتسمرة خلف القصص المعلنة سريعاً والمدفونة بطريقة أسرع، على رغم أني سأتوقف عند مفردة هرب وإلا فالمجتمع مر بتجارب قاسية على مستوى أكبر تتمثل في «انتحار فتاة»، فيا للخيبة.. مجتمعي يود ويفضل أن تنتحر فتاة على أن تخطو لفعل الهرب، ففي الهرب – بزعمه – عار وخزي، أما في الموت فستر ودفن للحياة بأكملها.

المصدر: الحياة

http://ow.ly/Dshs2