ثلث الإيرانيين يعانون البطالة – د. محمد بن صقر السلمي

أخبار

Print

    • د. محمد بن صقر السلمي – متخصص في الشؤون الإيرانية

يعاني أكثر من ثلث الإيرانيين من البطالة، فيما يصارع ثلثهم الآخر للحفاظ على مستوى معين من المعيشة من خلال العمل في أكثر من وظيفة، في دولة تعد من أثرى دول الشرق الأوسط، ليس بسبب إنتاجها من النفط والغاز فحسب، بل لأنها تتمتع بتنوع كبير في الناتج المحلي غير النفطي، كما أن أجزاء كبيرة من أراضيها صالحة للزراعة، وتزخر أيضا بموارد طبيعية كثيرة ومتنوعة.


40 % تضخم خلال عامين

إيران.. دولة ثرية وشعب معدم

تعد إيران واحدة من أثرى دول الشرق الأوسط، ليس بسبب إنتاجها من النفط والغاز فحسب، بل لأنها تتمتع بتنوع كبير في الناتج المحلي غير النفطي، كما أن أجزاء كبيرة من أراضيها صالحة للزراعة، وتزخر أيضا بموارد طبيعية كثيرة ومتنوعة.
إلا أن هذه الحقيقة لم تنعكس على حياة المواطن الإيراني ومستوى دخل الفرد الشهري والسنوي بصورة تتناسب وما تملكه طهران من ثروات، فنجد المواطن يحاول تعويض ارتفاع تكاليف المعيشة من خلال تنويع الدخل، وهو في الغالب العمل لوظيفة ثانية وثالثة حتى يستمر على المستوى المعيشي الذي تعود عليه أومستوى قريب منه، كما أن نسب البطالة بين الشباب والفتيات في إيران مرتفعة جداً حيث تتحدث بعض التقارير الرسمية عن 27% للفئات العمرية بين 15 و29 عاما، بينما تشير الإحصاءات ذاتها إلى أن نسب البطالة بين النساء تتجاوز 43%.من جانب آخر، تؤكد الإحصاءات غير الرسمية أن نسبة البطالة في البلاد أعلى من ذلك بكثير وقد تحدث أستاذ الاقتصاد بجامعة الزهراء الدكتور حسين راغفر، عن أن معدلات البطالة تشكل أزمة حقيقية في البلاد بل وتجاوزت حدود ما يطلق عليه مصطلح “الأزمة” بمراحل، وفقا لمقابلة صحفية أجرتها معه صحيفة “آرمان” الإيرانية قبل أيام.
عموما، من الإشكاليات في حساب نسب البطالة في إيران أن بعض الجهات الرسمية هناك ترى من يعمل ساعة أوساعتين يومياً لا يحسب ضمن العاطلين عن العمل، بينما تتحدث المعدلات العالمية عن أن من يعمل أقل من 24 ساعة أسبوعيا، على أقل تقدير، يعد ضمن العاطلين عن العمل.
من المؤكد أن إيران تهتم كثيراً بمسألة الإحصاءات والأرقام، وهذا أمر جيد ويحسب للنظام الإيراني وقد تتميز فيه عن كثير من دول المنطقة، إلا أن الصراعات القائمة داخل النظام الإيراني تنعكس بشكل واضح على هذه الإحصاءات، من حيث ما إذا كانت الجهة التي تقوم بالإحصائية أوالدراسة محسوبة على المرشد الأعلى والتيار المحافظ أوالحكومة، وبعبارة أخرى هل الإحصائية أجريت بواسطة جهة مقربة بالسلطة التنفيذية أوالتشريعية إلخ، لذا يشكك كثيرون في إيران في معظم الإحصاءات ومدى دقتها.

أرقام ونسب

في 2011 كان متوسط دخل المواطن الإيراني 4400 دولار في السنة، وفقا لرئيس مركز الإحصاءات الإيراني.
وقبل ذلك أعلن وزير الاقتصاد الإيراني أن متوسط دخل المواطن الإيراني نحو 12500 سنويا.
وفقا لتقرير “ايلنا” فإن التناقض في الإحصاءات فيما يتعلق بنسبة التضخم ونسبة الإنتاج المحلي العام وكذلك معدلات خط الفقر، أدى إلى ترنح وعدم دقة الخبراء حول الإحصاءات الاقتصادية في البلاد.
وأظهر البنك المركزي الإيراني أخيراً، أن متوسط الدخل الشهري للمواطن الإيراني يبلغ 730 ألف تومان (228 دولارا)، وبناء على ذلك فإن متوسط تكاليف المعيشة الشهرية لكل عائلة إيرانية يبلغ نحو مليون تومان (313 دولارا).
وبالمقارنة بين هذين الرقمين، يظهر أن هناك نحو300 ألف تومان (85 دولارا) عجز في ميزانية كل عائلة إيرانية، ولعل لانخفاض العملة الإيرانية وارتفاع نسب التضخم التي تجاوزت 40% خلال العامين الماضيين الأثر البالغ على ذلك، حيث انهارت العملة المحلية من قرابة 1200 تومان للدولار الواحد إلى 3200 تومان منذ ما يربو على عام ونصف العام.

15 مليونا يعانون شظف العيش

على صعيد آخر، أعلن رسميا في إيران أن متوسط الدخل الشهري لكل معلم، يبلغ 645 ألف تومان (202 دولار)، ومع ذلك فهناك بعض المعلمين الجدد الذين يعملون بدون عقد رسمي بل بناء على عدد الساعات التي يدرسونها، ويتراوح دخلهم بين 250 ألفا و300 ألف تومان شهريا (78 و94 دولارا).
أما مديرو المدارس المتميزون والمؤلفون وكذلك المساهمون في تأليف كتب اختبارات القياس العام (كنكور) ومن يعمل منهم في مؤسسات خاصة، فيتراوح متوسط دخلهم بين 3 ملايين و20 مليون تومان (937 و6250 دولارا) شهريا.
أما فيما يتعلق برواتب أعضاء مجلس الشورى الإيراني (البرلمان)، فيقول رئيس المجلس علي لاريجاني إن رواتب الأعضاء قرابة مليون تومان شهريا، ويضاف إليها، بطبيعة الحال، بدل السكن، وتكاليف القيام بزيارات لبعض المناطق والأقاليم، وبالتالي لا يمكن القول بصورة واضحة وشفافة إن عضو البرلمان يحصل فقط المقابل المالي لتمثيله في البرلمان ومتفرغ لذلك تماما، بل هناك نشاطات خارج هذه المسؤولية وبالتالي تصعب معرفة الدخل الشهري لعضو البرلمان بشكل دقيق.
من جانب آخر، يتراوح دخل المراسلين الصحفيين بين 350 ألفاً ومليون تومان شهريا ( 109و313 دولارا) بينما يبلغ متوسط دخل المعلم في إيران بين 645 ألفاً و20 مليون تومان (201 و6250 دولارا) شهريا.

رجال الدين

يحصل الأشخاص الذين يدرسون في الحوزات العلمية أويقومون بالتدريس والبحث أوالأعمال الإيرانية، على مكافآت مالية شهرية لمساعدتهم على أعباء الحياة.
ووفقا لتقرير وكالة “بارسينه” الإيرانية، فإن مسـألة تأمين حياة كريمة لطلبة العلم الشرعي من المواضيع الساخنة في المجتمع الإيراني لأن كثيرا من هؤلاء الطلبة يقومون بأعمال أخرى بعد الانتهاء من اليوم الدراسي في الحوزات مثل التدريس في المدارس والجامعات، مكاتب الزواج والقضاء والمحاماة، بهدف تأمين تكاليف حياتهم اليومية.
وتبلغ مكافأة طلاب الحوزات العلمية بين 100 ألف و300 ألف تومان (31 و94 دولارا) شهريا، إلا أن كثيرين يعتقدون أن هذا الرقم أقل بكثير من الواقع لا سيما أن الحكومة تحاول أن تظهر رجال الدين بالزاهدين والمتقشفين خشية غضب بقية طبقات المجتمع الإيراني.
وإذا تجاوزنا مسألة معدل الدخل وألقينا نظرة شاملة على الوظائف والمهن المختلفة في المجتمع بمستوياتها المختلفة، يتضح جليا أن الفوارق بين طبقات المجتمع وكذلك الدخل الشهري لها أكثر من أي وقت مضى، علاوة على الفارق بين دخل الأشخاص الذين يعملون في وظائف متماثلة ولديهم نفس المؤهلات أيضا.

مقارنات إقليمية ودولية

نشرت منظمة العمل الدولية تقريرا تطرقت فيه إلى معدلات الأجور الشهرية في 10 دول حول العالم، وفقا لإحصاءات وأبحاث أجريت في 2010.
وأشار التقرير إلى أن الدخل الشهري للعامل في إندونيسيا يبلغ 250 دولاراً أي ما يعادل في الوقت الراهن 800 ألف تومان إيراني بينما كان يساوي 250 ألف تومان في 2010.(كان سعر صرف الدولار في تلك الفترة نحو1000 تومان، بينما يصل في الوقت الراهن إلى 3200 تومان للدولار الواحد).
على الرغم من أن معدل دخل الأفراد في كل دولة، يتناسب إلى حد كبير مع تكاليف الحياة والأسعار في تلك الدولة ولا يمكن تصور أن الأشخاص من الدول الأخرى يحصلون على رواتب أعلى من العمال الإيرانيين، إلا أن مصروفاتهم تختلف عن نظرائهم في إيران أيضا.
مع ذلك فإن المقارنة المبدئية للدخل الشهري للعمال في بعض الدول مثل تركيا، المجاورة لإيران، جديرة بالملاحظة والأخذ في الاعتبار.
وفقا لتقرير منظمة العمل الدولية، يبلغ متوسط دخل الفرد في تركيا 1400 دولار شهريا أي ما يعادل 4 ملايين و480 ألف تومان، وبسعر صرف الدولار في تلك الفترة نحو مليون و400 ألف تومان.
في إيران، كان معدل صرف الدولار في 2010 بين 1000 و1100 تومان، وبالتالي كان معدل الحد الأدنى للأجور في البلاد يتراوح بين 239 إلى 303 دولارات في الشهر.
هذه الأرقام مبنية على الحد الأدنى وقد ترتفع في بعض الحالات إلى ثلاثة أضعاف الرقم المشار إليه.
ورغم أن هذه الأرقام قديمة نسبيا، إلا أنها تظهر الفرق الشاسع بين دخل الفرد في إيران مقارنة مع معظم الدول التي شملتها الدراسة.
من جانب آخر، نشرت صحيفة “شرق” الإيرانية قبل أسبوعين تقريبا تقريرا يقارن بين تكاليف المعيشة في العاصمة طهران ومدينة فانكوفر الكندية.
وأظهرت المقارنة أن الحد الأدنى للأجور في كندا يفوق نظيره في إيران بـ 10 أضعاف، رغم أن تكاليف المعيشة في طهران أقل منها في فانكوفر بنسبة 46%.
بعبارة أخرى تصبح المعيشة في فانكوفر أقل كلفة منها في إيران إذا أخذنا في الاعتبار الحد الأدنى للأجور.
بناء على معلومات نشرت على موقع “Numbeo.com” الذي نقلت عنه الصحيفة فإن الحد الأدنى لأجرة ساعة عمل في فانكفور يبلغ 10 دولارات، بينما يكون دولارا واحدا في إيران وفقا لسعر الصرف الحكومي و80 سنتا في السوق الحرة.
إن تكاليف السكن والأكل في المطعم وأسعار الطعام في فانكوفر أكثر منها في طهران، بينما القدرة الشرائية للمواطن الكندي تفوق نظيره الإيراني بنسبة 228%.

عدد الفقراء

قال عضو لجنة التخطيط والميزانية في البرلمان الإيراني موسى الرضا ثروتي إن الإحصاءات تشير إلى وجود 15 مليونا من الشعب يعيشون تحت خط الفقر، وهذا الرقم لا يليق بالبلاد وعلى المسؤولين إيجاد حل لهذه المشكلة، وفق ما نشرته وكالة أنباء فارس شبه الرسمية.
وأضاف ثروتي: يشكل هذا الرقم ما نسبته 20% (نحو 15 مليونا) من مجموع سكان البلاد، موضحا أن 7 ملايين من الرقم المشار إليه يعيشون تحت خط الفقر ولا يتلقون أي دعم من المؤسسات الحكومية أوالأهلية ولا يقدم لهم أي نوع من الخدمات.
وأردف: يجب على المسؤولين إيجاد حل لهذه المشكلة، مؤكدا أن ارتفاع سعر صرف الدولار يعد أحد أهم أسباب ظهور الفقر في المجتمع وهذا الموضوع ظهر في السنوات الأخيرة بسبب ضعف الحكومات السابقة، مشددا على أن الأمراض وارتفاع كلفة التداوي والعلاج تعد من أبرز أسباب ظهور الفقر في البلاد.


70 % من العمال تحت خط الفقر

قبل بضعة أشهر رفع المجلس العالي للعمل في إيران الحد الأدنى للأجور بنسبة 25%، إلا أن العمال في إيران يرون أن هذه الزيادة أقل بكثير من نسبة التضخم السنوية التي تضرب الأسواق الإيرانية وقد وقعوا على وثيقة اعتراض تطالب الحكومة وديوان العدالة الإدارية بإبطال قرار المجلس العالي للعمل.
ومع ذلك، لم يلغ القرار فقط، بل إن أرباب العمل لم يعملوا أيضا بقرار رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 25%، مما قاد إلى مسيرات عمالية احتجاجية في عدة مدن إيرانية.
وقال الأمين العام لمؤسسة “خانه كارگر” العمالية علي رضا محجوب: إن زيادة الرواتب بنسبة 25% أقل بكثير من معدلات التضخم في البلاد، بينما ينص القانون على أن الزيادات السنوية في الرواتب لا يجب أن تقل عن معدل التضخم.
وأضاف محجوب في تصريح نشرته صحيفة “بهار”: العمال العاطلون عن العمل يعيشون حاليا حالة من القلق كما أننا نشهد بشكل يومي ارتفاع أعداد العمال العاطلين عن العمل أيضا.
اذهبوا إلى منازل هؤلاء العمال وانظروا ماذا يأكلون على موائدهم، ستلاحظون موائدهم خالية تماما من اللحم والدجاج وقد تم حذف هذه الأصناف من القائمة الغذائية على موائدهم المتواضعة جدا.
من جانب آخر، قالت صحيفة “شرق” الإيرانية إن 70% من العمال في إيران يقبعون تحت خط الفقر.
إلى جانب ذلك نشر موقع “خبر آنلاين” الإيراني المعروف تقريرا مبنيا على إحصاءات البنك المركزي، يؤكد على رفع قيمة المعونة الغذائية التي تقدمها الحكومة لبعض شرائح المجتمع الإيراني بنسبة 75%.
وفي هذا الصدد، ذكرت وكالة أنباء “مهر” أن دخل العامل في إيران يبلغ 152 دولارا في الشهر، وقالت: بعد تأرجح أسعار العملة في العام الماضي وما نجم عنه من ارتفاع الدولار بمقدار 3 أضعاف سعر الصرف السابق، وصل راتب العامل الإيراني إلى 152 دولارا شهريا (يعادل 487 ألف تومان) وفقا لسعر الصرف في السوق الحرة والذي يبلغ 3200 تومان للدولار الواحد.
وقدمت معظم المؤسسات والهيئات الدولية معايير محددة فيما يتعلق بتحديد خط الفقر بهدف التمكن من إجراء مقارنات بين دول العالم.
ولنفرض جدلا أن معيار خط الفقر للفرد هو دولار واحد في اليوم، وقد ارتفع الآن إلى دولارين.
الأمر في إيران معقد بسبب تدخل الدولة في الاقتصاد، حيث إن أول سؤال يطرح هو “كم سعر صرف الدولار”؟ فإذا قمنا باعتماد السعر الحكومي للصرف (نحو 1262 تومان للدولار الواحد) فإننا سنلاحظ أنه لا يوجد فقراء في إيران إطلاقا، إلا أن الواقع على الأرض يختلف عن ذلك تماما بسبب سعر الصرف في السوق الحرة.
وفقا للجدول أدناه ينتشر الفقر في إيران في المدن والقرى الحدودية خاصة الشرقية والشمالية الشرقية لإيران.
الأوضاع جيدة نسبيا في المناطق الغربية خاصة الوسطى منها.
تعد نسبة الفقر في المناطق الشمالية لمحافظات كيلان ومازندران وطهران وأصفهان وفارس أقل منها في المناطق الجنوبية لهذه المحافظات.
إلا أن محافظة قم تعد استثناءا في ذلك حيث تعد من المحافظات الفقيرة.
ينتشر الفقر بصورة كبيرة جدا في كردستان وإيلام (عيلام)، الأمر ينطبق أيضا على محافظة خوزستان (عربستان) ومناطقها الشمالية المتاخمة للحدود.
إذا ما أردنا النظر إلى العدد الإجمالي للفقراء، فإن الغالبية تتواجد في المدن الكبيرة مثل طهران والأحواز وأصفهان ومشهد وفي ضواحي المدن الكبيرة الأخرى.
إن أعداد الفقراء في هذه المدن كبيرة جدا ولكن نسبتهم في هذه المجتمعات قليلة.

المصدر: مكة أون لاين