جامع المهدية… تحفة معمارية خالدة

منوعات

الجامع الكبير في المهدية أو جامع المهدية، في تونس هو أحد الآثار الإسلامية التي لا تزال قائمة منذ القرون الإسلامية الأولى إلى اليوم، فقد بني هذا الجامع في عهد عبيد الله المهدي الفاطمي، مؤسس الدولة الفاطمية، الذي حكم تونس، وأسس مدينة المهدية في عام 303 ه، وجعلها عاصمة لدولته حتى عام 360ه./970م، حيث انتقلت العاصمة إلى القاهرة، وفيها أنشأ الجامع الكبير الذي عرفت به، وجاء شكل الجامع فريداً من نوعه، فهو أشبه بالقلعة، وجداره القِبلي يستند إلى السور البحري للمدينة.

شُيِّد جامع المهدية الكبير على نتوء صخري، يطل على البحر، ونظراً للموقع الاستراتيجي للمدينة التي تقع على البحر الأبيض المتوسط، فقد ظلت عبر التاريخ عرضة للغزاة الأوروبيين، ومسرحاً لصراعات الحكام والدول الإسلامية المتعاقبة، مما انعكس على الجامع الذي شهد عمليات هدم وإعادة بناء منذ تأسيسه إلى عصرنا الحاضر، وقد تسببت الأمواج التي كانت تلطمه بشدة في تصدع محرابه القديم عدة مرات ما كان يستدعي ترميمه باستمرار، ورغم ذلك فقد حافظ هذا المسجد على مخططه الذي أنشئ به وطابعه المعماري الخاص، ومساحته الكبيرة التي شيد عليها، ولا يزال مدخله الحجري الأصلي الذي أنشئ به قائماً لم يتغير، وهو يتألف من قوس بارز إلى الأمام مستند على دعامتين، وصُمِّمَت واجهة المدخل الخارجية بطابقَين من الكُوّات ذات الأقواس البارز تفصل بينها زخارف ناتئة، وفي الجزء السفلي أتت الكُوّات مسطحة بينما اتخذت شكلاً نصف أسطواني في الجزء العلوي، ويتضح في هذا المدخل التأثر بالعمارة الرومانية القديمة، التي اشتهرت بأقواس النصر الكبيرة التي تبنى في مداخل المدن والقصور، ما يعني أن الفنان المسلم كان قادراً على استيعاب فنون العمارة التي سبقته، وإدماجها في عمارته وصبغها بطابعه الخاص.

على زاويتي واجهة المدخل يوجد برجان، استُخدِما كخزانَين للماء، ويعتقد أنهما كانا أيضاً يستخدمان للأذان يرتقي لهما المؤذن عبر سلم مستقل، ويقف على أحدهما ثم يرفع الأذان فتسمعه المدينة كلها، وذلك لأن الفاطميين في أول عهدهم لم يكونوا يضعون مآذن في المساجد التي يشيدونها، وقد حافظ مسجد المهدية على هذا الطابع، ولا يزال إلى اليوم دون مئذنة.

حافظ جامع المهدية الكبير على مخططه الذي شيد به في مطلع القرن الرابع الهجري، وهو يتخذ شكلاً مستطيلاً، ويتألّف من قاعة للصلاة طويلة يسبقها فناء محاط بأربعة أروقة. وحده الرواق الشمالي أصلي، وهو يتكوّن من دعامات من حجر منحوت تسند أقواساً بارزة تعتليها قبابٌ، أما الأروقة الثلاثة الأخرى فقد بُنيَت خلال حملات الترميم بين سنتي 1961 و 1965، وكان في منتصف الفناء، وفقاً للحفريات التي أُجريَت خلال الستينات، ممرٌّ فريد من نوعه في العمارة الإسلامية التونسية، وكان هذا الممر مسقوفاً بقباب متصالبة الروافد مستندة على دعامات ذات أقواس، وقد وصل بين المدخل وقاعة الصلاة، أما قاعة الصلاة فتنقسم إلى ثلاثة أساكيب متوازية مع جدار القبلة وتسعة بلاطات، وسقفها عبارة عن أقواس مكسورة متجاوزة مستندة على أعمدة مزدَوجة.

ويتوسط القاعة جناح محوري يتميز بأعمدته الرباعية ويمتد من أول القاعة إلى المحراب مشكلاً عماد السقف، وهو يشبه في طريقة تعامده مع مخطط جدار القبلة مخطط جامع القيروان، وقد تم اللجوء لاحقاً إلى هذا الترتيب في العمارة الفاطمية في القاهرة، أما المحراب فتعتليه قبة كبيرة، وقد نقشت على جدار المحراب زخرفة نصف دائرية تعتليها أصداف، أما القبة النصفية في أعلاه فترتكز على قوس بشكل حدوة الفرس يستند إلى عمودين جانبيين.

عرف مسجد المهدية عند ترميمه في ستينات القرن الماضي عدة تحسينات شملت المنبر الذي استعملت فيه النقوش والزخارف، وكذلك إضافة عدد من الأروقة والبوابات، وذلك مع الحفاظ على خصوصيته كتحفة معمارية إسلامية أصلية تحمل الكثير من طابع العمارة الإسلامية في بداياتها الأولى، وتشكل إطلالة على البحر ذات بعد جمالي يجعله جاذباً للسائحين المهتمين بجماليات العمارة الإسلامية التقليدية.

المصدر: الخليج