عبدالوهاب بدرخان
عبدالوهاب بدرخان
كاتب ومحلل سياسي- لندن

حيوية إماراتية متجددة في الملفات الصعبة

آراء

بالنسبة إلى العرب تبقى دولة الإمارات العربية المتحدة التجربة الاتحادية الوحيدة التي أصبحت صنواً للنجاح والتماسك والفاعلية، وبالنسبة إلى كثيرين في العالم، حكومات ومؤسسات وأفراداً، بات اسم الإمارات عنواناً مألوفاً للعديد من رموز المعاصرة والحداثة: التنمية، الاستقرار، والانفتاح. ورغم سخونة موقعها الجيوسياسي والاضطرابات القريبة منه، لم تتوقف الإمارات عن إكمال مسيرتها خطوةً خطوة، ومشاريع تلو مشاريع، مؤكدة بذلك جملة من المبادئ: السلمية الأصيلة المربكة لأي خصوم، الوسطية التلقائية المحصّنة من أي غلو، التنمية المستدامة التي تتلمسها فئات المجتمع كافةً في الداخل، والاستعداد الإيجابي للتعاون مع الخارج في كل ما يخدم أهداف السلم العالمي.

البلد الذي يستطيع أن يعيش الفكرة والصورة اللتين يريدهما لنفسه، هو بلا شك بلد محظوظ جداً بمقاييس هذه الأيام، ولكي يتأمن له ذلك لابد من تضافر عناصر عدة، أبرزها: حكم رشيد تملك قيادته رؤية لمسار البلد، وشعب تتماهى طموحاته مع تلك الرؤية التي لا تنفك تفاجئ نفسها بل تتخطاها. ولا يختلف اثنان على الروح المستقبلية الفذة التي أشاعها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ولا على الاستمرارية اللافتة والمتجددة التي تسم عهد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وتعطي مؤشرات ثابتة إلى أن الإمارات لا تعيش ليومها بل باتت تعيش الغد وبوتيرة متسارعة إلى حد يفاجئ مواطنيها والمقيمين فيها.

في اليوم الوطني الثالث والأربعين لدولة الإمارات، لم يعد الحديث عن مبادرات استزراع الأرض تحدياً لقسوة طبيعتها الصحراوية، ولم يعد عن العمران وتطوير المرافق وتحديث الخدمات، فهذه أصبحت مكتسبات جرت مراكمة التطويرات عليها. بل أصبح التفكير والعمل منصبّين على استراتيجيات تنموية علمية مبتكرة في مجال الاتصالات الفضائية وتصنيع الأقمار الصناعية وإطلاقها، وقد رأينا مسؤولين إماراتيين يتحدثون بفرح غامر عن الاستعداد لارتياد الفضاء الخارجي وبناء أول مسبار عربي إسلامي بقيادة فريق عمل إماراتي، للوصول إلى كوكب المريخ خلال السنوات السبع المقبلة. لا شك أن مسؤولين كثيرين، عرباً وأجانب، يتمنون أن يحذوا حذو نظرائهم الإماراتيين إذ يقولون إن بلادهم تحقق نجاحات خاصة في تكنولوجيا صناعة الطيران، وفي برامج استراتيجية ضخمة تنفذها في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية، كما ذهبت بعيداً في مجال إنتاج الطاقة المتجددة ما جعل الوكالة الدولية للطاقة المتجددة تختار الإمارات مقراً دائماً لها.

ولعل هذا التوجه التنموي الذي برهن على نفسه بقوة هو ما دفع الإمارات في الأعوام الأخيرة إلى دخول معترك السياسات العربية والإقليمية بمفاهيمها الخاصة التي يمكن اختصارها بـ«مكافحة التطرف والإرهاب»، خائضة في مختلف مجالات التعاون بمبادرات جريئة، فنجدها مثلاً في مقدمة الدول التي تساهم في مكافحة القرصنة البحرية، لكن نجدها عضواً فاعلا في التحالف الدولي ضد الإرهاب. وجاءت لائحة المنظمات المصنفة إرهابية لتؤكد التصميم الإماراتي على أن المواجهة الفكرية للتطرف والإرهاب لابد أن تواكب المواجهة الأمنية، ولذلك أشعلت الجدل بشمولها هيئات وجماعات لا تُعتبر مرتبطة مباشرة بعمليات التفجير والقتل، بل توفّر التغطية والمبررات الدينية والمعنوية.

المصدر: الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=82435