علي سعد الموسى
علي سعد الموسى
كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية

خارطة الإسلام.. بين الاعتقاد والتطبيق

آراء

وزبدة مقال اليوم، لمن أراد أن يهرب بعد قراءة الجملة الأولى، أن جمهورية أيرلندا تتصدر الدول الغربية العشر الأول في تطبيقها مفاهيم القيم الإسلامية والتعاليم الإنسانية السامية لسلة مختارة من نصوص القرآن الكريم، ولا توجد في الدول الثلاثين الأول على المؤشر ذاته دولة إسلامية واحدة، وأيضاً اكتفت كل منظومة دول العالم الإسلامي بدولتين فقط ضمن الدول الخمسين الأول في سلم “أكثر الدول تماشيا وتماهيا مع قيم الإسلام وتعاليم كتابه المقدس”.

ولولا أنني أكتب اليوم في صفحة “الرأي” لاتخذت مبادرة بالاكتفاء بالترجمة الحرفية لهذا البحث الأكاديمي المثير للدهشة، وهو الذي كان الأسبوع الماضي، تقريرا مكتملا على الصفحة الرابعة “الشهيرة” لصحيفة “التلجراف” البريطانية. والقصة المكتملة في الصورة الفوقية العليا، أن عدة باحثين من جامعة جورج واشنطن يواصلون للعام الثالث على التوالي إصدار ترتيب مؤشرهم العولمي السنوي عن أكثر الشعوب والدول تطبيقا لقيم هذا الدين العظيم وتعاليم الكتاب الكريم في سلة الخيارات المجتمعية للآداب والقيم.

في العام الأول تم إجراء هذا البحث على 54 دولة، وتم رفع العدد في العام الثاني إلى 132 دولة، وفي التقرير الثالث الأخير الصادر مطلع هذا الشهر تم المسح الاستقصائي على “208” دول. ولتطبيق المعيارية على معاملات هذا البحث ومدى اقترابها أو بعدها عن القيم الإسلامية وتعاليم القرآن الكريم، اختارت المجموعة سلة من القيم والتعاليم تعتمد على نقاط عشر “Listing Index”، منها: عدالة القضاء والمساواة أمام القانون والأمانة والنزاهة وحقوق المرأة والطفل والحريات العامة والفردية، وكذا المصرفية الإسلامية وغيرها من القيم والتعاليم القرآنية الإسلامية. ولوضع “النقاط” على الترتيب لجأ الفريق البحثي إلى توزيع النقاط بحسب ما تمليه قواعد طريقتين بحثيتين معتمدتين: الأولى، المسح الميداني لإجابات الاستبيان بعينات عشوائية ومعيارية من الدول والشعوب المستهدفة بحثيا وإحصائيا بأسئلة هذا المؤشر، والثانية، بإعطاء “نقاط” للمؤشرات العالمية المعروفة من تلك التي تحارب مناقضة أو استعداء القيم الإنسانية التي وردت صراحة ومباشرة في كتاب الله الكريم. بالمثال، تعتمد نقاط الاعتماد في البحث في مؤشر الأمانة والنزاهة على التقرير السنوي لمنظمة الشفافية، ثم تشير إلى أن نبذ الفساد والمفسدين قد وردت في تعاليم القرآن الكريم 63 مرة متكررة، منها سبع مرات بعقوبة قانونية مكتوبة. في حقوق الطفل، مثلاً، يعتمد البحث على المؤشر الدولي السنوي لأكثر الشعوب انتهاكاً لتحريم وتجريم تشغيل الأطفال، ويذكر التقرير أن 29 دولة من الدول الأعضاء برابطة العالم الإسلامي تقع ضمن الخمسين الأول في هذا “الانتهاك”، رغم أنه- وكما يشير التقرير- كانت نصوص الإسلام وقيمه وتعاليمه، الأولى على وجه الأرض التي تحارب هذه الظاهرة.

وخذ على هذا ما تبقى من تبادلية “القيم والتعاليم الإسلامية في مقابل أداء المؤشرات” العالمية المعروفة.

والخلاصة في هذا التقرير المثير للاهتمام لا تشير إلا إلى أن المسلمين -شعوباً ودولاً- قد فشلوا تماماً في تطبيق ما يؤمنون به ويعتقدون به في مناحي السياسة والاقتصاد والقانون والمجتمع. التقرير نفسه يؤكد أنه لم يختر لاختباراته من القيم والتعاليم الإسلامية إلا تلك “السلة” من القيم والتعاليم التي وردت في القرآن الكريم مقرونة أيضاً بنص قانوني واضح للجزاء والعقوبة الواضحة المحددة. ومن المثير أن الدول الخمس الأول على رأس مؤشر تطبيق القيم الإسلامية وتعاليم القرآن الكريم كانت على التوالي: أيرلندا، الدنمارك، لكسمبورج، نيوزيلندا ثم بريطانيا. أول دولة إسلامية ترد في هذا المؤشر كانت ماليزيا في المرتبة 33، ومن بعدها جاءت الكويت في المرتبة 48. للأسف الذي لن أستحي من كتابته هو أن إسرائيل كانت ضمن الدول الخمسين الأول في المرتبة 37، وبالحرف الواضح: في قائمة الشعوب الخمسين الأول في تطبيق قيم الإسلام وتعاليم كتابه المقترنة بعقوبات نصية واضحة بين الخيارات المعيارية التي اختارها البحث لصلب وقوام مؤشره السنوي.

أنتهي اليوم بالتأكيد على أنني لم أكتب “رأياً” بقدر ما نقلت ترجمة لفكرة بحثية مثيرة للانتباه وصادرة من جامعة غربية مرموقة. رأيي الشخصي بعد قراءة عميقة لهذا البحث الطويل: للإسلام اليوم خريطتان: واحدة للاتباع والمعتقد، وأخرى للتطبيق والعمل.

المصدر: الوطن أون لاين