عبير الفوزان
عبير الفوزان
كاتبة في صحيفة عكاظ

«داعش» في قلوبهم

آراء

من المفارقة المضحكة عبارة كُتبت بخط رديء على جدار مدرسة ابتدائية للبنات، في الخرمة (إحدى محافظات مكة المكرمة) وهي «داعش في قلوبنا»، ولا تعرف ضمير المتكلم في قلوبنا يعود على من.. هل يعود على قلوب معلمات المدرسة، أم على قلوب طالبات المدرسة الابتدائية التي لا تتجاوز أعمار طالباتها الـ12، أم على قلوب عائلة حارس المدرسة الذي بدت غرفته ظاهرة في الصورة؟

بلا شك، أن قلوب أولئك خارج الدائرة، وأن من كتب تلك العبارة هم على تلك الشاكلة التي تُكتب على أسوار مدارس البنين» أحبك يا فلان»..أو «عذبني فلان»، والتي تُظهر مدى الشذوذ الأخلاقي الذي يعاني منه بعض طلبة المدارس. ومن الفداحة أن نلتمس لهم العذر ونقول مراهقون، مغرر بهم، ويحتاجون إلى توجيه، وهم في الحقيقة يحتاجون إلى عقاب رادع.

ليست مهمة وزارة التربية والتعليم ملاحقة ما يُكتب خارج أسوارها، بل هي مهمة البلديات التي يجب أن تتوسع مهامها من تنظيف الشوارع من القمامة، إلى تنظيف الأسوار والجدران في المدينة من قمامة العبارات الخادشة للحياء والدين والتي تعبر عن الشذوذ والعصبية القبيلة والعنصرية.

أجيال من الشباب تعاطت مع الرذاذ الملون، ولم ينتج -مع الأسف- من هذا التعاطي فنان جرافيكي واحد يشار إليه، بل نتج منه مفحطون وشواذ ومجرمون. وها هم اليوم يحبون «داعش» التي لا يعرفون حتى أن «داعش» مسمى تندري، وربما لو ذكر أمام تنظيمهم اسم «داعش» لقطعوا رأسه الفارغ إلاّ من رذاذ.

لم تكن جدران مدننا وقرانا في يوم من الأيام صفحة للرأي السياسي أو الاجتماعي أو الرياضي، بل هي صفحة يستخدمها مراهقون للتعبير عما في دواخلهم من قبح درجوا عليه، ورضعوه في بيوتهم، بالضبط كما يفعل الكارهون لبلادهم عندما ينحازون إلى موضة حب الإرهاب بدعاوى مختلفة ومختلفة. لذا لن نستغرب هذا الفعل الرديء ولا سيما هذه الأيام وبلادنا مع قوى التحالف تستنهض طائراتها (إف 15 وإف 16) من مرآبها لتدك معاقل الإرهاب؛ ليبدأ من كانت «داعش» والإرهاب في قلبه بالولولة والصراخ، وقلب الحقائق التي باتت بالنسبة إلى العاقل مفضوحة على قدر ألم الخاسرين.

من المفارقات التي تجعلني أقلب حقائق غالبية ما يكتب على الجدران، سواء الجدران الحقيقية أم الاقتراضية في «تويتر» وغيره، هي أن الجدران ساحة تعبير للأقلية المفزوعة. أتذكر في عام 2008 كنت أمر في أحد أنفاق المشاة في قرية ريفية تقع في مقاطعة سمرست، في بريطانيا. فلفت نظري رسم غرافيكي متقن لشعار النازية. استغربت أن يصل حب النازية لبريطانيا التي حاربتها بضراوة، وزاد استغرابي عندما علمت أن غالبية سكان تلك القرية الريفية هم من اليهود البولنديين المهاجرين إبان الحرب العالمية الثانية. لم يطل مقام تلك الرسمة المتقنة لشعار النازية في ذلك النفق شبه المهجور، في قرية من ضمن قرى مقاطعة سمرست، ففي اليوم التالي، وأنا أمر من ذلك النفق كانت الرسمة بكل تفاصيلها قد اختفت، وكأنها لم توجد. إن الكتابة على الجدران تعبير عن ألم حب لا تتعاطف ولا تقف معك فيه الدولة التي تعيش فيها، بل ربما تقمعه، وتهمشك أنت وقناعاتك الخاسرة، ولاسيما عندما تكون إرهابية متطرفة.

الحرب على الإرهاب تبدأ من الممحاة إلى الطائرة. يجب ألا يُوفر فيها أداة، ولا تُساق المبررات لصغير أو كبير جانب الصواب فأخذ جانب الإرهاب الشاذ. الإرهاب لا ديمقراطيةَ فيه حتى في أكثر البلدان ديموقراطية. لا تسامحَ فيه أيضاً، ولا عفوَ ولا مناصحةَ.

المصدر: الحياة
http://www.alhayat.com/Opinion/Abeer-AlFozan/4822265/