دراما غير رمضانية

آراء

ونحن في هذا الشهر الكريم الفضيل وما يحمله بين ثناياه من قيم جميلة نبيلة تحض على التكافل والتعاضد والتراحم، تأبى بعض المنصات إلا أن تطل علينا بما ينكئ الجراح ويعمق التنافر والتعصب بين المجتمعات، خاصة في ما يتعلق بالتاريخ سواء من خلال المسلسلات الرمضانية أو برامج الحوارات التي تستضيف بعض السياسيين والمسؤولين ممن كانوا ذات يوم في مواقع صنع القرار من الباحثين عن إثارة البلبلة واجتذاب الأضواء بعد أن أفلت نجومهم وغابوا عن المشهد العام وتواروا في الذاكرة.

كتابة التاريخ أو استدعاء بعض محطاته أمانة كبيرة عظيمة تجاه الأجيال والتاريخ، لا يقدر عليها إلا الأمناء مما لا يرتهنون للمقولة الشائعة «المنتصر يكتب التاريخ»، خاصة عندما يتعلق الأمر بمجتمعاتنا العربية أو الآسيوية والأفريقية، وتلعب منصات التواصل الاجتماعي حالياً دوراً سلبياً في تأجيج الخلافات حول بعض التفاصيل غير الأمينة أو الدقيقة لدى نقل ما جرى في حقبة معينة من حقب التاريخ المعاصر أو الموغل في القدم.

سجالات حادة تجري بسبب لقطة أو مشهد أو مقطع من حوار خلال المسلسل أو اللقاء، وليتها كانت حوارات بناءة تخرج بخلاصة، لكنها إنما تنزلق نحو التعميم والإساءات للشعوب والأوطان. بينما تنظر وتتابع شركات الإنتاج «الهراء» الذي يجري بكل ابتهاج وسرور وتراه من صور النجاح الكبير الذي حققه المسلسل أو البرنامج الذي أنتجته وقدمته في خضم الماراثون الرمضاني للفضائيات العربية.

هناك شعوب ومجتمعات غربية شهدت خلال مراحل مختلفة من التاريخ أحداثاً غاية في الدموية والبشاعة، تناولتها أعمال سينمائية وتلفزيونية، كما جرى للهنود الحمر في أميركا الشمالية وسكان أستراليا الأصليين والحربين الكونيتين وفي الصين واليابان، ومع ذلك لا تشهد مجتمعاتها مثل الجدل العقيم الذي يغلب على الحوار في مجتمعات العرب والعالم الثالث. ولعل أبلغ صور تجاوز الماضي القاتم ما نراه اليوم من تعاون وشراكات بين دول القارة الأوروبية بعد تجاوز الماضي الأليم والتفرغ للمستقبل، لدرجة أن تجد سيارة إطفاء أو إسعاف في جنوب ألمانيا تهرع لإغاثة ساكن في قرية فرنسية مجاورة.

لقد سجلت الإمارات وهي تفتح أبوابها لشركات الإنتاج الفني أو حتى المحطات الفضائية نهجاً حضارياً جميلاً وهي تحض الجميع على إبراز كل ما يجمع ويوحد المجتمعات بعيداً عن إثارة النعرات بمختلف صورها وأشكالها، فعالم وواقع اليوم ليسا بحاجة لاستحضار «البسوس» في الدراما «غير الرمضانية» ولا في غيرها.

المصدر: الاتحاد