دول الخليج ستحقق فوائض مالية تراوح بين 5.8 و %26 بنهاية العام

منوعات

قدرت دراسة نقدية تناولت اقتصادات دول مجلس الخليج العربي، أنه لا توجد منطقة غنية أخرى في العالم حققت نمواً أسرع من النمو الذي حققته دول المجلس في السنوات الأخيرة، وليست هناك نظرة وردية لاقتصاد أي منطقة في العالم مثل ما هي موجودة اليوم لاقتصادات دول المجلس وذلك للمدى المتوسط.

لكن، من جهة أخرى، طرحت الدراسة عشرات الأسئلة عن أداء اقتصادات دول المجلس من ناحية الإنفاق الحكومي، ودور القطاع الخاص في التنمية والتوظيف، والنسبة المختلة القائمة بين الزيادة السكانية ومعدلات النمو السنوي، إضافة إلى استفهام عريض حول مستقبل اقتصاديات دول هذه المنطقة على المدى الطويل؟

وقال مُعد الدراسة الأستاذ في جامعة لندن للاقتصاد، ستيفن هيرتوك، إن النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي في دول الخليج العربي، لعام 2012 تراوح من 2 في المائة في البحرين إلى 6.3 في المائة في السعودية، بمعدل متوسط إقليمي للنمو بلغ 4.9 في المائة.

وذكرت الدراسة، “أن دول دول الخليج العربي، في المجمل العام ستحقق فوائض مالية كبيرة تتراوح بين 5.8 و 26 في المائة مِن الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام، بفضل استمرار ارتفاع أسعار النفط، وأن ثقة المستهلك في الاقتصاد هي الآن الأعلى مِن أي وقت مضى، وأنّ القطاع الخاص عموماً، وبشكل خاص البيع بالتجزئة وقطاع البناء، يحقق نمواً سريعاً”.

وقال هيرتوك، “المشاعر العامة للاقتصاد الخليجي الراهن تُماثل إلى حد كبير مشاعر تلك الأيام الجميلة لسنوات السبعينات، وهو ما ينبغي على الاقتصاديين التأمل فيه”، مضيفا أن النمو الذي تم تحقيقه خلال العقد الماضي جاء في أغلبه نتيجة للتوسُّع في الإنفاق الحكوميّ العام، وهذا له محاذيره المعروفة.

وأوضح أنه في الوقت الذي بدأت فيه حكومات دول الخليج، في العقد الماضي اتباع سياسات للموازنة أكثر حذراً من السياسات التي اتبعتها بعد ارتفاع أسعار النفط في عام 1973، فإنها أخذت ترمي هذا الحذر في الهواء تدريجياً، خاصة بعد ارتفاع أسعار النفط بين 30 و100 في المائة من 2008 إلى 2012، والآن وصلت الأسعار فوق 80 دولارا كمعدل عام.

وأضاف، تملك دول الخليج فوائض مالية كبيرة في الخارج بإمكانها إدارتها واستثمارها على المدى المتوسط، لكن إذا ما بقي نمو الاقتصاد الخليجي يعتمد على الإنفاق الحكومي أساساً، وهو إنفاق ما زالت وتيرته ترتفع بشكل متواصل في اقتصادات كل دول المجلس، فلن يبقى من الأمر سوى مسألة وقت فقط قبل أن تبدأ هذه الدول تُعاني العجز في ميزانياتها لتضطر بعد ذلك إلى التهام مدخراتها”.

وحذر من استمرار، غياب أي أُسس أو قواعد لإنتاج المداخيل المحلية في دول الخليج يُمكن الحديث عنها بوضوح، كما أنها أرجأت مراراً خطط فرض الضرائب عليه، فمن دون المداخيل التي يحققها النفط والغاز فالعجز السنوي المالي لدول المجلس يُمكن أن يصل إلى أرقام مذهلة ليبلغ ما بين 30 إلى 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي الذي تحققه الدول الست.

وتقول الدراسة، إنه في الوقت الذي أدت فيه سياسات التقشف خلال الثمانينات والتسعينات إلى فطم الأنشطة التجارية المحلية تدريجياً عن اعتمادها على الإنفاق الحكومي، وإن كان ثمن ذلك الركود ااقتصادي، إلا أن القطاع الخاص يعتمد اليوم أكثر من سنوات الثمانينات على الإنفاق الحكومي المتأتي من النفط.

وتضيف: لم يعد الأمر يقتصر فقط على اعتماد حكومات الدول الست على قطاعيّ النفط والغاز اللذين عادا ليُشكلا مرة أخرى أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي في معظم الحالات، بل إن النشاطات التجارية الخاصة وقطاعات الاقتصاد غير النفطية أصبحت الآن هي الأخرى أكثر اعتماداً على الحكومة التي تقوم بإعادة تدوير العوائد النفطية بين مختلف القطاعات.

وتحذر، من الخلل القائم في نسبة الإنفاق الحكومي إلى إنفاق القطاع الخاص. تقول إن نسبة الإنفاق الحكومي مرتفعة جداً في دول المجلس (نحو 2 – 3) مرات أكثر مما هو عليه في الاقتصادات الصاعدة، وكذلك في الاقتصادات المتطورة مثل تركيا، الولايات المتحدة، وألمانيا.

وأوضح ويكر هيرتوك، أنه بعد أن أخذ القطاع الخاص في دول مجلس التعاون الدور القيادي في الاستثمار خلال سنوات الثمانينات والتسعينات، إلا أن خلق رؤوس الأموال عاد هو الآخر من جديد تحت قيادة الحكومات منذ بداية الألفية الثالثة حتى الآن، إلى حد أن القطاع الحكومي السعودي سجل أكثر من نصف مجموع الاستثمارات في السعودية، وذلك لأول مرة منذ بداية سنوات الثمانينات.

وتشير الدراسة إلى أن بعض هذه الاستثمارات قد تساعد بنمو القطاع الخاص في المستقبل، لكن الكثير منها جاء لمجرد تلبية مستلزمات البنية الأساسية، والمرافق العامة، واحتياجات العدد المتنامي للسكان، وفي بعض الحالات، مثلما حصل في سنوات السبعينات، تذهب الموارد المالية لتنفيذ مشاريع ذات فخامة عالية، لكنّ هناك شكوكا حول ما يُمكن أن تقدمه من ريع اقتصادي مفيد للمجتمع.

وأكثر ما يدعو للقلق، بحسب الدراسة، أن أغلب العناصر الاقتصادية المُحركة لنشاطات القطاع الخاص في اقتصادات دول مجلس التعاون ما تزال بصورة غير مباشرة بيد الحكومة، وهو أمر يتناقض مع أغلب اقتصادات دول العالم، حيث ترصد أن الأغلبية العظمى من حصة الأجور في الناتج المحلي الإجمالي بدول المجلس هي من أجور القطاع العام.

وتضيف، هذا يعني أن أغلب مطالب السلع المنزلية والخدمات، إنما هي ممولة من الدولة بشكل غير مباشر علاوة على ذلك فإن أغلبية السكان ما زالوا مُستخدمين من قبل القطاع الحكومي، وهو نمط يكشف عن تجذر هذا الاتجاه داخل دول المجلس خاصة مع ما شاهدناه من الموجات الأخيرة من التوظيف الحكومي.

وتقدر الدراسة، أن حصة الأجور في القطاع العام داخل السعودية تبلغ نحو 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أنها لا تتعدى 9 في المائة في القطاع الخاص، عدا أن الكثير من أجور القطاع الخاص تعود للمغتربين الذين يحولون الجزء الأكبر من دخولهم إلى بلدانهم الأصلية.

وتوضح، أن الحال في الاقتصادات الناضجة على النقيض، حيث تشكل أجور القطاع الخاص أكثر من 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وهي تنفق محليا في أغلبها، مشيرة إلى أنه من الصعب إقناع رجال الأعمال لتقديم التضحيات عندما تكون الأوقات جيدة، لكن هذا الأوقات هي الوحيدة التي تسمح للاستعداد لسيناريو سيئ مقبل قد يكون لا مفرّ منه عندما لا تكفي أسعار النفط لتغطية حاجيات الإنفاق المتزايدة.

وتوصلت الدارسة إلى أنه لا طريق أمام اقتصادات دول الخليج، سوى أن تكون أكثر اكتفاءً على المدى البعيد من خلال تعزيز دور القطاع الخاص.

المصدر: الإقتصادية