“ذكر اسم ربه فصلى”

آراء

خاص لـ هات بوست: 

كتبت صديقتي على صفحتها: “بسم الله الرحمن الرحيم، توكلت على الله”

ونعم بالله، كلام جميل نبتدأ فيه يومنا، إنما تذكرني هذه الصيغة بحادثة وقوع الطائرة المصرية منذ أعوام قليلة في البحر، حيث تناقلت الأخبار حينها آخر جملة سمعت عن الطيار، مما أثار الشكوك حول مسؤوليته، وبغض النظر عما آلت إليه التحقيقات، أضحت الصورة المرافقة في ذهني لتلك الجملتين هي وقوع كارثة، إذ يبدو أن هنالك صور راسخة يستدعيها الذهن في مواقف معينة، قد لا تكون صحيحة أو مطابقة للواقع.

هذا على الأغلب ما حدث لركاب طائرة ماليزية غادرت أستراليا، ثم عادت أدراجها نظراً لوجود راكب وصفته الأخبار بـ “المضطرب” على متنها، أثار الهلع لدى الركاب. فإذا بحثت عن نوع الاضطراب الذي يعاني منه وجدت في الشريط المصور أنه أقام الصلاة بصوت جهوري في ممر الطائرة، بغرض اختبار إيمان الركاب المسلمين وفق ما جاء في الخبر.

رب قائل وما المشكلة بما فعل؟ بالنسبة للركاب لا بد أن الصورة العالقة في أذهانهم هي 11 سبتمبر، وبالتالي يصبح الهلع مبرراً.

أما بالنسبة لنا نحن “المسلمين” فالأمر يصبح محل نقاش.

فإذا أردنا التفكير بالأمر دون اعتبار للركاب ومخاوفهم، فهل كان ذاك الراكب مضطراً لإقامة الصلاة بهذه الطريقة؟ هل ممر الطائرة هو مكان مناسب؟

بحثت عن الفتاوى في هذا الموضوع فوجدتها تتلخص في أنه على المسلم أن يصلي قائماً على الطائرة فإن لم يستطع فقاعداً وإن لم يستطع يمكنه أن يصلي بعينيه.

أي أن الباب مرتبط بالاستطاعة، ويفهم أن المفتين تركوا تحديد مدى إمكانية إقامة الصلاة للشخص نفسه، ويبدو مفروغاً منه أن الأمر في غاية الصعوبة ما لم تكن الطائرة خاصة.

وإذ لا يختلف مؤمنان على أهمية الصلاة كذكر لله وإقامة الصلاة، حري بنا كمسلمين مؤمنين بالله ومؤمنين برسوله محمد (ص) أن نتفق على أن الإسلام رسالة محبة ورحمة وتقى، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والفائدة الفردية التي ستجنيها من إقامة الصلاة على متن الطائرة بشكل ملفت للنظر تكاد تختفي أمام الضرر الذي ستسببه صورتك للإسلام والمسلمين، لا سيما في العصر الحالي، ونحن في أمس الحاجة للدفاع عن أنفسنا أمام صورة نمطية لدى العالم عنا، سواء بحق أو من غير وجه حق، وحتى إن كانت داعش والقاعدة و11 سبتمبر ضمن المؤامرة علينا، فلا يمكننا نكران أن جميعها استندت إلى فتاوى موجودة في أمهات كتبنا وما زالت تدرس في مدارسنا وجامعتنا الشرعية، وأنها استطاعت من خلال تلك الفتاوى التغرير بشبان يملكون نوايا طيبة ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.

فإذا كنت مهتماً برأي التنزيل الحكيم، فأدعوك لقراءة تعريف المصلين:

{إلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ* وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ* وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ* وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ* إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ* وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ} (المعارج 22 – 35).

فالمصلون وفق الآيات أعلاه هم من حققوا مجموعة بنود تتضمن إضافة لإقامة الصلاة العلاقة مع الناس والخوف من الحساب في اليوم الآخر. فهل يا ترى كان الشخص على متن الطائرة تلك مهتماً بالبنود جميعها قدر اهتمامه بإقامة الصلاة؟ ربما نعم فلا يمكنني ظلمه، إنما نحن اعتدنا في ثقافتنا الموروثة على الأخذ بالشكل والتقييم وفق أداء الشعائر فقط.

يحضرني هنا ما حدث ذات يوم مع ابنتي، كانت طفلة جديدة في الصف السادس الابتدائي، حين سألت المعلمة التلاميذ عمن صلى فجر اليوم حاضراً؟ فرفع جميعم أيديهم إشارة للإيجاب، إلا ابنتي، فكان أن أخرجتها المعلمة من الصف عقاباً لها، حيث لا مكان لغير “المصلين”. كانت طفلتي متفاجئة بكذب أصدقائها، وهم مستغربون من سذاجتها، فكل ما كان عليها فعله هو رفع يدها وتدارك الموقف ونيل رضا المعلمة. وهكذا سيكبر هؤلاء الأولاد وقد اعتاد بعضهم الكذب لإرضاء مجتمع يحاسب على الشكل دون اعتبار للقيم الأخلاقية.

وإذا كان صحيحاً ما تناقلته الأخبار عن أن هدف الرجل على الطائرة كان اختبار إيمان المسلمين، فالأمر يغدو ترهيباً وإزعاجاً وسوء فهم للإسلام، فالإيمان وعدمه والصلاة وعدم أداءها شأن شخصي لا علاقة للآخر به، فأنت لست مؤهلاً لحسابي، والحساب لله تعالى ولا أحد غيره، حتى الرسول (ص) لم يذكر عنه أنه حاسب أحد على ترك صلاة أو صيام، لكنه عاقب السارق، إن صحت الرواية.

ما هو بحاجة لتصويب في الموضوع برمته، هو أن ترتبط قصص كهذه بالإسلام، فالاضطراب على الطائرة يمكن أن يكون نتيجة سُكر، أو مرض، أو إجرام، أما أن يكون نتيجة حرص المضطرب على أداء الصلاة فهذا أمر محزن، والإسلام أرقى من ذلك، وصلاتنا أكثر رقياً من أن تقام في ممر الطائرة مسببة إزعاجاً للمسافرين.

خلاصة القول وخيره، قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} (الأعلى 14- 15) صدق الله العظيم.