رسالة إلى ميدان السبعين

آراء

لا شك في أن المواقف التاريخية للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، مع الدول الخليجية، ليست مشرفة على الإطلاق، على رغم الدور الإيجابي الذي تبناه الخليجيون، والسعوديون تحديداً، في ما يخص القضايا اليمنية الشائكة والمعقدة في كثير من الأحيان. تلك المواقف الصادمة بجملتها كانت ترجّح عدم الموثوقية في صالح، إلا أن أشقاء اليمن في السعودية كانوا يغلبون مبدأ التجاوز، والنوايا الحسنة، انطلاقاً من المسؤولية تجاه الأخوة اليمنيين.

اليوم، وبعيداً من تذاكيات الرئيس السابق، التي أطالت وجوده على سدة الحكم، على حساب اليمن والشعب اليمني الذي تعاظمت عليه الأحمال، نتيجة الإهمال والتجهيل والاستئثار بالسلطة والثروة، يصدق القول إننا على أعتاب مرحلة جديدة من التحول نحو يمن جديد، بدأت تداعياته بالاحتجاج على صالح وزمرته تزامناً مع ما يسمى الربيع العربي، وصولاً إلى تدخل التحالف بقيادة السعودية من أجل ردم الحفرة التي كاد الحوثيون أن يوقعوا اليمنيين فيها، بانقلابهم على شرعية كفلتها المبادرة الخليجية التي حاولت بكل ما تستطيع من خلال تغليب الحكمة، تجنيب اليمن الآثار المترتبة على التشنج في الرؤى. آخر المستجدات على الأرض يصب في مصلحة التحالف والشرعية من الناحية العسكرية، وكذلك من الناحية السياسية البحتة، فالطرف الباغي يمكن الجزم الآن بأنه بات في حكم المفكك، والأحداث المتسارعة خلال الأيام القليلة الماضية، أكدت صحة التقارير التي تحدثت منذ البداية عن قصر عمر هذا الائتلاف المبني على باطل تمزيق اليمن، نظراً إلى اختلاف الأهداف التي أدت إلى نشوئه، ما بين استغلال خبيث لتوقيت الأزمة الداخلية اليمنية ما بعد الثورة على الرئيس السابق، تلقفه الحوثيون فانقضوا على اليمن، وبين انتقام لا يقل خبثاً عن سابقه بطله صالح، الذي ثأر لنفسه من الأطراف الأخرى لمعادلة اليمن، التي رفعت في وجهه شعار المطالبة بالتغيير، ما عدّه انقلاباً على لازم من لوازم اليمن الحديث، ألا وهو بقاؤه حاكماً متصرفاً في شؤونه.

الإشارة إلى أعداء اليمن، لا يُقبل منها اليوم اجترار النوايا الهدامة التي سعت إلى تمزيقه بالأهداف الأحادية الضيقة، عندما تشبثت بمصالحها بعيداً من أصل المشكلة، وهي نزوع اليمنيين إلى حياة جديدة، مبنية على المشاركة الفاعلة في النهوض بهذا البلد الذي يزخر بالعديد من عوامل النهضة الحقيقية، بدءاً بالقوة البشرية التي أثبتت نجاحاتها في أصقاع المعمورة عدا أرضها! وليس انتهاء بالموارد الاقتصادية التي شلت القدرة على الإفادة منها أيادي الارتزاق على حساب الوطن.

التحالف العسكري الذي لبى نداء الاستغاثة لمصلحة الجارة والأشقاء، لا يحمل ثارات على أحد، فما يهمه هو استقرار تلك البقعة المهمة من الأرض العربية، التي حاولت اليد الإيرانية العابثة التغلغل فيها من طريق أشقيائها الذين زرعتهم هناك، سعياً إلى تمرير أجنداتها التي تستقي من الدمار طول النفَس، ومن التفرق والتشرذم الاستقرار والبقاء.

على عاتق اليمنيين في كل أطيافهم يقع اللوم، فلا أحد سواهم يتحمل عبء الأوضاع المتردية التي آلت إليها البلاد، حتى سمحت لفئة قليلة أن تتسرب مثل المرض العضال، لتسيطر على رأي اليمنيين ورغبتهم في حياة أفضل. ولأن الحلول لا تنعدم على كل حال، فإن الاجتماع الحاشد في ميدان السبعين دعماً للمؤتمر الشعبي العام، لا يمكن إغفاله، نظراً إلى الظروف التي صاحبت عقده على هذا النحو، بما فيها تحدي الإرادة الحوثية، الأمر الذي «يمكن» اعتباره انقلاباً على الانقلاب، ومراجعة حقيقية للمواقف، رفع لواءها اليمنيون في الأراضي التي تتغلب فيها الأهواء على مصلحة الوطن، إلا إن النظر إليه كواحد من ركائز حلحلة النزاع القائم، لا يستقيم – في تصوري – إلا باكتمال عناصر التوبة من خطأ تلطخ الأيادي الضالعة في الحلف الأثيم مع مجرمي الحوثي، بخراب اليمن.

الندم على ما فات لا يكفي لأن يكون عربوناً يقدمه المؤتمر الشعبي وقيادته بين يدي اليمنيين وقوات التحالف من أجل دعم الشرعية، إلا إذا تزامن مع الإقلاع عن ذنب جر اليمن إلى أتون الحرب، من خلال العزيمة الصادقة للخروج من مأزق هذا الحلف الغاشم، وفك الارتباط به، لا كما يحاول المؤتمر الشعبي العام تمريره من طريق رسائل مبهمة عبر البيان الصادر عنه أخيراً، خالية من المضامين السياسية التي تعبر عن مواقف يمكن الاعتماد عليها.

ما أود قوله، إن الحالة اليمنية تسير باتجاه منعطف حاد، مؤداه في نهاية المطاف عودة الشرعية شاء من شاء وأبى من أبى، ولكن، على أنقاض يمن مهدم بالكامل بأيادي الاستعلاء والعبث بالمقدرات، والاستقواء على إرادة الشعب اليمني المغلوب على أمره، ما لم تتضافر الجهود والنيات على نبذ الخلافات الشخصية، والجلوس إلى طاولة الحل بوجود الجميع، بمن فيهم الحوثي، باعتباره مكوناً من بين مكونات اليمن، لا خائناً متسلقاً، حاكماً بأمر الولي الفقيه في طهران، فالحكمة اليمانية التي غابت عن المشهد، أو غيبت بفعل فاعل، لا بد من استحضارها من أجل اليمن هذه المرة، بمعاونة الحريصين عليه من أشقائه الذين بذلوا في سبيل استقراره أغلى ما يملكون.

المصدر: الحياة