شرع الإسلام أم شرع المسلمين؟

آراء

خاص لـ هات بوست: 

لا يقتصر حضور طالبان على تصدر عناوين نشرات الأخبار، وإنما حلت لتتواجد في امسياتنا ونقاشاتنا، بكونها وجه “الإسلام السياسي” الأكثر شهرة حالياً، ومعها يعود الحديث مجدداً حول مدى تمثيلها للإسلام أو ابتعادها عنه، إذ يكاد “المسلمون” في أي جلسة يتفقون على أن الإسلام بريء مما تصرفت به طالبان سابقاً، وفيما يراهن البعض على تبدل طارىء يهدف إلى نيل القبول الدولي، يصاب البعض الآخر بالذعر منها ومن مجرد ذكرها.

ولكن رب سؤال يطرح نفسه “لمَ كل هذا الخوف ما دامت تعد بتطبيق الشرع الإسلامي وما دمنا نتغنى بعظمة ديننا وانفتاحه ويسره؟”

بالنسبة لي لدي كل الثقة بالشق الثاني، فالإسلام الذي أعرفه دين عظيم، منفتح على العالم بأسره، صالح لكل زمان ومكان، شرعه يتفق مع ما شرعته أرقى القوانين، يعيش الناس تحت مظلته بسلام ووئام مهما اختلفت عقائدهم وآراؤهم، وهو يختلف تماماً عن دين طالبان وأمثالها، فديني استقيته من كتاب الله الذي نزل على رسوله الكريم (ص)، وبلغه لنا كاملاً غير منقوص، فيه كل من آمن بالله وعمل صالحاً هو مسلم، والأعمال الصالحة هي معيار الحساب عند الله، والصراط المستقيم مجموعة قيم عليا يجب أن تكون أساساً لأي مجتمع، والمرأة مساوية للرجل في الحقوق والواجبات، والقوامة للأكثر كفاءة بينهما وفق ظروف حياة كل أسرة، ولا يوجد ما يعطيه الأفضلية عليها، فالفضل متبادل، ولرأيه “درجة” في حالة وحيدة، هي طلبها الطلاق مع كونها حامل، لا “للرجال عليهن درجة” إلى أبد الآبدين، والزواج مودة ورحمة، وهو عقد بين طرفين، لا بل ميثاق غليظ، لا يُحل من طرف واحد دون علم الطرف الآخر، والتعددية الزوجية لها شروطها ويمكن تقييدها بالقوانين، والمرأة سيدة نفسها، فلا وصاية لأحد عليها طالما كانت بالغة راشدة، أما لباسها فهي حرة والحشمة مطلوبة وفقاً لأعراف كل مجتمع، دونما إكراه من أحد.

والوصية أساس انتقال الثروة، وفي حال عدم وجودها توزع التركات وفق ما جاء في التنزيل الحكيم، حيث “الأولاد” هم ذكور وإناث، ولا يمكن بأي حال حرمان البنت من تركة أو الانتقاص من حصتها لصالح أعمام أو غيرهم، أما اعتبارها نظرياً “ذرية ضعافاً” لا يمكنها تدبر أمرها، مع اقتناص نصيبها فهذا لم ينزل الله به من سلطان.

أما العلاقة مع الآخر في ديننا فيحكمها السلم والعهود والمصالح المتبادلة، وفق أساس مشترك هو القيم الإنسانية، والقتال لا يكون إلا دفاعاً عن النفس، أما القتل فنهتدي بقوله تعالى {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} (المائدة 28)، واختلافنا في المعتقدات يحكمه {لكم دينكم ولي دين} والله يفصل بيننا يوم القيامة.

وإذا عرجنا على التشريعات، نجد العقوبات حدودية، تمكن المشرعين الحركة بين العفو مروراً بالغرامات وكف اليد إلى عقوبات قصوى تتماشى مع قوانين دول العالم حالياً.

كل ما سبق هو الإسلام، دين الله، أما ما يطبق من قبل الحركات “الإسلامية” فهو دين المسلمين، الذي توارثوه عبر العصور من فقه مصاغ دخلت فيه عوامل عدة، ظروف سياسية واجتماعية وحضارية، واختلاط بثقافات أخرى، إضافة لمنطق التاريخ، فلا يمكننا محاسبة شرع يعود لأكثر من ألف عام سابق بمنطق اليوم، ولكن لا يمكننا في الوقت ذاته تطبيقه اليوم، وعندما وضع الأئمة العظام مشكورين أحكاماً لعصرهم وفق فهمهم لكتاب الله وما وصلهم عن رسوله وأدواتهم المعرفية، لم يجل في خواطرهم أن هناك من سيطبق تلك الأحكام بعد مئات السنين، ولم يتوقعوا أن الخلف بهذا الجمود الفكري ليمتنعوا عن استنباط نهج مختلف يناسب عصورهم ومجتمعاتهم، حتى يأتي من يطبق منطق الذبح والسبي وصولاً إلى تحريم الفنون بأشكالها.

وما هو حري بنا كمسلمين مؤمنين بأن رسالتنا عالمية وصالحة لكل زمان ومكان، أن نكشف الوجه الحقيقي لها، بإعادة النظر في إرثنا الثقافي، وإلا سيبقى هذا الإرث منهلاً لكل من أراد العودة بالتاريخ إلى الوراء وجرنا خلفه، فيما نحاول التملص والهرب نحو مجتمعات أكثر إنسانية، إن لم نقل أكثر سيراً على نهج رسولنا وديننا.