شر الحاسد لا عينه

آراء

خاص لـ هات بوست: 

هل وجدت نملاً في إحدى زوايا بيتك؟ هل تشاجرتِ سيدتي مع زوجك؟ هل رسب ابنك في الامتحان؟ هل تم رفضك بعد مقابلة عمل؟ كل هذه الأمور سببها الحسد، هنالك حسّاد كثيرون يتربصون بكم، لديهم عيون ذات قدرات خارقة، ساحقة ماحقة بإمكانها فعل المستحيل.

لن تستغرب عزيزي القارىء، فأنت غالباً مقتنع بهذا الكلام، أو أنك لا تستبعد صحته، أو في أفضل الأحوال قد سمعته ممن حولك، فهذه ثقافة مجتمعاتنا، ونحن في بلاد الشام نستخدم مصطلح “العين تطرقك” لندعو به على أحد ما، على سبيل المزاح أحياناً كثيرة، والجد بعضها.

أما إذا كنت مقتنعاً بالفعل فأول ما سيتبادر إلى ذهنك هو أن الحسد مذكور في القرآن ولا يمكن نكرانه.

لكن التفكر والتدبر موجودان في كتاب الله أكثر من الحسد فهلا أعطيناهما المجال المناسب؟

فالتفكر والتدبر يوصلان إلى نتيجة مفادها أن العلم لم يثبت امتلاك العين لأشعة يمكنها أن تكسر العظم، ولا أن أحدهم يملك عقلاً فيه طاقة تبث موجات مغناطيسية أو كهرومغناطيسية أو غيرها تشبه موجات الراديو تستطيع أن تدب المشاكل في بيتك، أما القول بأن هناك قوى خارج إدراكنا ولا يمكننا رؤيتها فلماذا لا نسخرها لأفعال لصالحنا قبل إيذاء الآخرين؟ أم أنها تعمل باتجاه الشر فقط؟ وإن كانت قادرة إلى هذا الحد فلنستخدمها ضد الأشرار الذين ندعو عليهم جهاراً نهاراً ولا نستفيد قيد أنملة.

فإذا عدنا لسورة الفلق وجدنا أننا نستعيذ بالله من شر الحاسد إذا حسد، والشر عمل {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (الزلزلة 8) بمعنى أن الحاسد يمكن أن يدفعه حقده إلى ارتكاب عمل يؤذي من خلاله المحسود، كأن يتهمه زوراً، أو يفشي أسراره، أو يهدم بيته، إلى ما هنالك من الأعمال الشريرة، أما مجرد التفكير بالأذى فلن يؤذي إلا صاحبه وينعكس على نفسه ليصبح إنساناً بغيضاً حقوداً يكره من حوله.

رب قائل: ماذا عن نصيحة يعقوب ليوسف ألا يقصّ رؤيته على إخوته كي لا يكيدوا له؟ نعم فيعقوب يعرف أبناءه ومدى غيرتهم من يوسف لذا كان يتوقع منهم الأذى، ولم يكذبوا ظنه دون أن يعلموا بموضوع الرؤيا، فما بالكم لو علموا أن أخاهم قد رأى في منامه الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً له ساجدين؟

وماذا عن نصيحة يعقوب لأبنائه ألا يدخلوا من باب واحد بل يدخلوا من أبواب متفرقة؟ لم يذكر القرآن عين أو حسد في هذا الموضع، لكن نعم الحكمة تقتضي ألا يدخل أحد عشر شاباً سوية من مدخل واحد فيلفتوا الأنظار لأنفسهم مما يجعلهم موضع شك، أو موضع حسد يدفع لأذيتهم، أو أن مكروهاً قد يحدث في مكان ما فمن الأفضل ألا يتعرض الجميع للضرر.

وماذا عن الرجل الذي يملك جنتين وارفتين كان يظن أنهما لن تبيدا فأبادهما الله؟ القرآن يحدثنا كيف أن هذا الرجل أغاظ صاحبه وأشرك بالله وكفر بالساعة وبأن يجد في اليوم الآخر أفضل مما يملك، فلقي جزاءه الذي أراده الله له.

إذاً أين الدليل من القرآن أن عين الحاسد ستصيبنا بأذى؟

ثم أليس من الإجحاف بحق الله تعالى (حاشاه) أن يمتلك بعض خلقه هذه القوى الإستثنائية ليستطيعوا من خلالها أن يغيروا أقدارنا؟ فإن كان الله تعالى قد استجاب لغلهم فمعنى ذلك أنه قد نصر المعتدي وهذا لا يمكن لمجرد الحسد.

فإذا وجدت نملاً في زوايا البيت فابحث عن بقايا الطعام والحلوى خاصة، أو فلتبحث عن الفتحات في الجدران، وإن أعجزك الأمر عليك برش المبيدات.

أما إذا عم الشجار المنزل فلتبحث عن سبب الغضب، ربما أنت من حسدت صديقك على راتبه فانعكس ذلك غضباً على عائلتك، أو أنك سيدتي قد سمعت من صديقتك ما أجج غيرتك فانقلبت على أهل بيتك.

وإن رسب ابنك في الامتحان فيلزمه اهتماماً أكثر، وإن مرض فلأن في الحفل من نقل إليه العدوى لا الحفلة ذاتها.

وإن لم تنجح في مقابلة العمل فربما يلزمك تدريب متواصل قبل أن تعيد المحاولة مرة أخرى.

أما العين الزرقاء والمرآة خلف الباب، وسكب الرصاص ومسك الخشب، فيؤسفني أن أخبرك أنها لن تفيدك.

فإن نزعت من رأسك فكرة العين التي طرقتك، واقتنعت بأن {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} (الشورى 30) فستجد نفسك ناجحاً أكثر، ومحباً للجميع لا تبادل الضغينة لأحد ولا تظن به ظن السوء، وما عليك بعدها إلا أن تستعذ بالله والله خير حافظ من كل الشرور.