عقل العقل
عقل العقل
كاتب وإعلامي سعودي

صوت المواطن.. يفضح واقعنا

آراء

الإعلام الرسمي في أي بلد في العالم يميل إلي الموضوعية، ويبتعد عن الإثارة ويؤمن بالمسؤولية الاجتماعية تجاه قضايا المجتمع الذي يعمل فيه، ولا يشكل العامل التجاري والإعلانات ضغطاً عليه، يجعله يسابق المؤسسات الإعلامية الخاصة على حساب الرسالة التي يأمل أن يؤديها بكل موضوعية وشفافية على رغم الانتقادات التي يتعرض لها الإعلام الرسمي في دولنا بسبب ضيق الهامش في الحرية الإعلامية التي ترى بعض وسائل الإعلام الخاصة أنها متحررة من القيود الرسمية. وفي تجربتنا المحلية للأسف أم محطات الإذاعة الخاصة لم ترتقِ إلى درجة من الجدية في مضامين رسالتها الإذاعية، فكم نسمع في هذه الإذاعات من سخف ونشر لثقافة سطحية للأسف من بعض هذه الإذاعات الخاصة.

هذه مقدمة للحديث عن برنامج إذاعي تبثه إذاعة الرياض أربعة أيام في الأسبوع، وهو برنامج «صوت المواطن» الذي يقدمه المذيع المتألق محمد العقيلي مع بعض زملائه في فريق عمل البرنامج، ويقدم بعض حلقاته المذيع الذي لا يقل تألقاً الأستاذ خالد الشهوان، وهو برنامج مباشر يفتح الفرصة للمواطنين لبث شكواهم عما يرون فيه نقصاً في مدنهم وقراهم ومناطقهم، ويبتعد البرنامج عن القضايا الشخصية.

من يستمع إلى هذه البرنامج -وأنا أحدهم- يحس بالحرقة والمعاناة، لما تعانيه بعض مناطق المملكة من قصور في الخدمات، التي هي في الغالب في مناطق بعيدة عن المدن الرئيسة، وهو ما يعطي دلائل على أن تلك المناطق لا تحظى بنصيبها من التنمية الشاملة، وأن هناك خللاً في توزيع المشاريع على مناطق المملكة في شكل عادل، وحتى لو خصصت مشاريع للمناطق النائية فمن خلال اتصالات الأهالي على البرنامج نلحظ أن التعثر في تلك المشاريع يستغرق أعواماً قد تصل إلى 15 عاماً، ومن خلال متابعة البرنامج يتضح أن معظم شكاوى المواطنين في المملكة تتركز في خدمات المقدمة في إيصال خدمات الكهرباء والصحة والنقل ومشاريع التعليم والصرف الصحي.

القضايا كثيرة ومتعددة، وكلها تعطي دليلاً على أن المسؤولين عن تلك القطاعات يغطون في نوم عميق لما يعانيه المواطن من معاناة، في تنفيذ وإيصال تلك الخدمات إلى تلك المناطق، والغريب أن الصمت -على رغم النداءات المتكررة من مذيع البرنامج وتوسلاته أن يتواصل مع البرنامج المسؤولين للرد علي تلك المطالب- هو سيد أثير البرنامج، وكأن تلك الجهات تعيش في كوكب غير كوكبنا، ولكن يعجبني أن مذيع البرنامج يكرر دائماً أنه في عدم تواصل المسؤول عن مشكلة معينة فإنه سيسمح ويعطي الفرصة للمواطنين لطرق المشكلة نفسها أكثر من مرة، لإحراج تلك الجهات وتفاعلها مع هموم المواطنين، ولكن النتيجة الدائمة أنه لا حياة لمن تنادي، وكأن تلك الجهات تقر بإهمالها وعدم مسؤوليتها الموكلة إليها. على الأقل لو توضح لنا تلك الجهات الأسباب الحقيقية وراء نقص الخدمات في بعض مدننا لتفهمنا الوضع وعذرناهم أم هذه السلبية منهم فهي دليل على عدم الأمانة. والبرنامج في كل قضية يستفسر من المتصلين عن أرقام المعاملات التي قدموها لتلك الجهات وتُذاع مباشرة، وأتخيل أن تلك الجهات تستمع إليها وتسجلها وتعمل على حلها، ولكن هذا لا يحدث، فبعد أيام تسمع الشكوى نفسها من مواطنين حول القضية ذاتها، وهو ما يدل أن تلك الجهات منشغلة في أمور لا نعرفها.

من أكثر القضايا التي سمعتها أخيراً في البرنامج هو انقطاع الكهرباء عن أحد المستشفيات الرئيسة في منطقة جازان،، فهل يعقل أن تصل الحال بأحد القطاعات الصحية إلى هذه الدرجة وما يترتب على ذلك من انتشار الأوبئة في تلك المنشآت، ولكن لا حياة لمن تنادي.

أين المسؤولون وتفاعلهم مع قضايا المواطنين والوطن، والتي أكدها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لأمير منطقة الرياض الأمير تركي بن عبدالله عندما أدى القسم، إذ خاطبه الملك قائلاً: «المواطن أهم عليك مني.. وحقه حق لي».

فشكراً للإذاعة السعودية على هذه النوعية من البرامج، ومن يقف يخلفها من رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون عبدالرحمن الهزاع ومساعده لشؤون الإذاعة مجري القحطاني والمدير العام لإذاعة الرياض عبدالمحسن الحارثي.

المصدر: الحياة