فهد الدغيثر
فهد الدغيثر
كاتب سعودي

طبقوا القوانين وافرضوا الهيبة

آراء

خرج قانون الإرهاب قبل أكثر من أسبوعين، وكان يفترض مع وجود هذا القانون كنظام معتمد أن نبدأ في محاصرة الفكر من جذوره، بعد أن عانينا منه لعقود. غير أننا لم نسمع عن أية خطوات عملية على الأرض، على رغم انتشار المروجين المعروفين في كل مكان في هذا الوطن من دون اللجوء إلى التنكر أو الأسماء المستعارة. ماذا ننتظر؟ هاهم أبناؤنا يستمرون في الاستجابة لهذه الدعوات، ويغادروننا إلى «الجهاد» في سورية، وما أن يصلوا إلى هناك حتى تتلقفهم عصابات متنوعة، جميعها تدعي «الإسلام»، وترفع تلك الراية السوداء. قبل يومين طالعنا خبر قتال شابين سعوديين لبعضهما، أحدهما انضم إلى ما يسمى بـ«داعش» والآخر إلى «النصرة».

هؤلاء الشبان لم يقرروا من تلقاء أنفسهم الذهاب ومغادرة البيت والأهل والوطن لولا سماعهم لخطب ودروس وتغريدات تصدر من أفراد تمردوا على المواقف الحكومية الرسمية هنا في المملكة. يدفعون الشبان إلى ساحات القتال، بينما لا يمكن أن يسمح منهم أحد لأبنائه أو أقاربه بالذهاب إلى هناك، وليت الأمر يتوقف عند ذهاب هؤلاء وعودة من سلم منهم إلى الوطن من دون أن يلحق بهذا الوطن بعض الأذى في ما بعد، المشكلة هي استمرار من يعود منهم إلى ممارسة العنف وتبني فكر الانقلاب على البلاد، كما فعل بعضهم عندما عاد من أفغانستان، وما تفجيرات الرياض والشرقية وجدة عنا ببعيد. إذاً فالمسألة تتعلق بالأمن الوطني والمحافظة على الأرواح والممتلكات، لا يجب أن يلهينا هذا المروج عبر جميع مواقع التواصل الاجتماعي عن نفسه، لمجرد أنه يتمظهر بمظهر «الشيخ» الذي يردد الآيات والأحاديث، فهل نتقبل ونقر بوجود هذه الحال المقلقة، ونضع حداً قوياً ورادعاً لمن يستهتر بشباننا ومستقبلنا عبر القبض على هؤلاء وإخضاعهم للقانون وجعلهم عبرة لمن يعتبر؟

قبل صدور هذا القانون هناك قوانين متعددة وصادرة منذ زمن طويل، لكنها لا تطبق بحزم وصرامة، خذ على سبيل المثال أنظمة السير التي تمنع التجاوزات والمراوغات والوقوف الخاطئ، كل هذه المخالفات تحدث في كل المدن السعودية وعلى مرأى من ضابط المرور الذي يكتفي بـ«مناصحة» هذا السائق المتهور عبر مكبر الصوت، السرعة هي وحدها ما تمكنا من التحكم فيه عبر كاميرات «ساهر» وفي بعض الأماكن وليس كل مكان، النتيجة هي ما نعاني منه من حوادث وإصابات وتعطيل لحركة السير وأموال كبيرة تهدر، سواء في المستشفيات أو ورش الصيانة. لِمَ لا نطبق هذه الأنظمة بحزم؟ «لا أعلم». هل الموضوع يتعلق بنقص الأفراد القادرين على الضبط أم بتدريبهم وصقل مهاراتهم؟ في المملكة لا يجب أن نعاني من ذلك. الأفراد متوفرون بل لدينا بطالة. والتدريب ممكن توفيره، فلدينا المال القادر على جلب أكبر فرق التدريب في العالم، ولدينا القاعات والشاشات ووسائل النشر. الذي ينقصنا هو الهمة ومواجهة هذه الأزمة بتصميم وثبات، وليس من طريق الحملات الموقتة والمملة.

لنعرج على التزوير الذي تجرمه كل الشرائع، وأنا متأكد أن التزوير جريمة في المملكة يعاقب عليها القانون. سمعنا عن حملة الشهادات العليا المزورة، وخرجت تقارير عدة تحمل العديد من الأسماء المتهمة بالحصول على شهادات الدكتوراه من جامعات لا وجود لها. ماذا فعلنا بهؤلاء؟ ما زال الموضوع يئن في أروقة البيروقراطية وقد يعمر المزور ويموت، ونحن نستمر في مناقشة القضية، وماذا نفعل بالمزورين؟ تارة نسمع أن مجلس الشورى يريد مناقشة القصة وتارة نسمع أن وزارة التعليم العالي تفكر في الموضوع. يحدث كل هذا الجدل الطويل بسبب تجاهلنا لمبدأ تطبيق النظام، وإلا فالموضوع لا يحتمل كل هذا اللت والعجن.

من جهة أخرى، هناك ممارسات خاطئة ومشينة تحدث في المجتمع وتستمر بلا عقاب، بسبب غياب النظام الرادع لذلك. منها التحرشات الجنسية التي لم نصدر في شأنها قانوناً محدداً. وخرجت إحصائية قرأتها في «تويتر» قبل يومين، توضح ارتفاع نسبة هذا النوع من التحرشات في المملكة، بل إن هذه النسبة تتفوق على نسب أخرى في دول أوروبية. هناك ممارسات تتعلق بمواضيع الحقوق الخاصة بالأفراد التي يفترض أن تحددها مدونة الأحوال الشخصية، وتضع حداً لمن يستهتر بمثل هذه الحقوق الثمينة، ننتظر صدور هذه الأنظمة، ونتمنى أن نتمكن من تطبيقها فور اعتمادها، كما تمنينا تطبيق أنظمة الإرهاب والتزوير والمرور وغيرها. أستطيع أن أمر على العديد من المشاهدات الأخرى، لكنني أظن بأن النقطة التي أريد شرحها وصلت.

الذي يجب علينا إدراكه، وأشرت إليه، وأشار إليه العديد من الكتاب، هو أننا في المملكة لن نتمكن من بناء وطن نفخر جميعنا به، ونحن نشاهد هذا الفوضى تعصف بمكتسباته، ويتجاهل المسؤول فيه عن تطبيق القوانين وضبط الأمن السلوكيات. لا يمكن أن نبني وطناً بمجرد الاكتفاء ببناء المشاريع الأسمنتية والطرق والبنى التحتية. وضعت تغريدة قبل عام بعد افتتاح طريق الملك عبدالله في الرياض، قلت فيها إن هذا الطريق تحفة هندسية جميلة جداً، لكننا أهملنا ضبط السائق المتهور الذي يشوه كل يوم وكل لحظة هذه التحفة. «نعم» فمع الاتفاق على أهمية بناء هذه المشاريع وضرورتها إلا أن بناء الفرد يأتي أولاً. هذا الفرد لا يمكن بناؤه إلا عبر التطبيق الصارم للقوانين تماماً، كما يفترض أن يفعل الأب في تربية الأبناء وتهذيبهم. استمرار «الدكتور» المزور لشهادته في عمله بلا عقاب يهدم كل ما نسعى إلى بنائه. المناصحات والتوسل والتودد وهي ما نجيد فعله بامتياز أصبحت وسائل باهتة عفا عليها الزمن، ويجب أن نتوقف عن اللجوء إليها. لا يمكن أن أنسى لوحة إرشادية كبيرة منصوبة في طريق الملك فهد كتبت عليها هذه العبارة: «يكفي حوادث.. يكفي موت». المقصود من هذه اللوحة تنبيه السائقين بخطر السير بسرعة وممارسة المخالفات. لكنها تحمل لغة الرجل اليائس الذي لجأ إلى المناشدة. وعلى السياق نفسه لا يمكن نسيان الرسائل التي يوجهها عدد كبير من علماء المملكة للتحذير من الذهاب إلى سورية، لكنها أصبحت مكررة ومملة، وفقدت قيمتها كما فقدته تلك اللوحة. لو طبقنا القوانين لما وجدنا أنفسنا في حالات التوسل والمناشدة، ولما وصلنا أصلاً إلى هذا المستوى من انعدام هيبة النظام.

لنستغل إذاً وجود القوى البشرية السعودية التي تبحث عن عمل، ونوظف منهم الآلاف، ونضع لهم البرامج التدريبية اللائقة، ونمنحهم الحوافز المعتبرة، ونطلقهم في مجتمعنا، في المدن والقرى والأحياء في مهمة ضبط تطبيق النظام. بهذا نصيد الكثير من الطيور بحجر واحد، ذلك أننا هيأنا فرص عمل جديدة ولائقة، وارتقينا بأذواق الناس وسلوكياتهم، وأسسنا إلى حد كبير مفهوم قوي وجديد للأمن الفكري، ووفرنا المال والأرواح. فهل نفعل ذلك في هذا العام، ونضع العامين المقبلين كفترة مستهدفة للقضاء ولو على 50 في المئة مما تحدثنا عنه؟ أتمنى ذلك.

المصدر: صحيفة الحياة