دنيس جونسون ديفز
دنيس جونسون ديفز
مترجم بريطاني

طه حسين في ذكراه الـ40

آراء

في الذكرى الأربعين لرحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين لا أملك إلا أن أبادر بتقديم لمحة من ذكرياتي الشخصية عن هذا الكاتب والمفكر العربي العظيم.

عرفت طه حسين عندما كنت في الثامنة عشرة من عمري، وقد أرسلت آنذاك للعمل في هيئة الإذاعة البريطانية. والآن وبعد مرور 40 عاماً على رحيله عن عالمنا، ومع احتفال العالم العربي بهذه الذكرى، تحملني الذاكرة عودة إلى الوراء عبر هذه العقود من الزمن.

عندما تم قبولي للعمل في القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية، كان ذلك بسبب افتراض أنني لدي معرفة أفضل باللغة العربية الكلاسيكية من أي من الإنجليز الذين تم تشغيلهم في الهيئة، وكذلك راجعاً إلى حقيقة أنني كان يطلب مني الاستماع إلى جميع الترجمات التي نقلت عن أصول إنجليزية، وكان ذلك يتم من خلال قيام العربي الذي ترجم النص بقراءة ترجمته لي بصوت عال، ولم أخجل من الإقرار بمعرفتي المتواضعة باللغة العربية والطلب من المترجم أن يوضح لي أي فقرات من ترجمته لم أفلح في استيعابها.

أحسب أني على صواب في القول إنه في كل يوم جمعة، وعلى امتداد فترة طويلة، كانت هيئة الإذاعة البريطانية تبث حديثاً لدكتور طه حسين. وقد وجدت أن الكثير من زملائي المصريين يحرصون على الاستماع لهذا التسجيل. وتأثرت كثيراً عندما علمت أن كل حديث من هذه الأحاديث قام الكاتب المصري الكبير بإلقائه من وحي اللحظة وليس من نص مكتوب. وقد تم إبلاغي بأن هذا كان راجعاً إلى الحقيقة المتمثلة في أن الشخصية الأدبية الأولى في مصر، والذي قدر له في وقت لاحق أن يتولى رئاسة قسم اللغة العربية في جامعة القاهرة، كان ضريراً منذ صباه الباكر. والأحاديث التي ألقاها عبر هيئة الإذاعة البريطانية كانت جميعها من وحي خاطر طه حسين نفسه.

كان دكتور لويس عوض هو المترجم الأساسي للمجلة التي أسسها طه حسين، والتي كان الأخير يتولى رئاسة تحريرها، وقد قام دكتور لويس عوض بتقديمي لطه حسين، وكان يحرص على اصطحابي إلى الأمسية الأسبوعية التي يقيمها عميد الأدب العربي.

وكان يبدو أمراً طريفاً بالنسبة لي أن دكتور لويس عوض الذي لم يكن يكترث على الإطلاق بمظهره الشخصي، وأفلح على نحو ما في أن تبدو لحيته الكثة وكأنها أعفيت من الحلاقة 3 أيام متتالية، كان يصر على الذهاب إلى الحلاق لحلاقة ذقنه في تلك الأمسيات التي نمضي خلالها للقاء طه حسين في داره.

كان طه حسين في قلب الصالون الذي يقيمه، وكان جانب كبير من الحوار يدور باللغة الفرنسية، وهذا من شأنه أن يفصح عن الكثير في ذلك الوقت بالنسبة لمصر، حيث استطاع شخص كفيف منذ الصغر، مثل طه حسين، ينتمي إلى خلفية متواضعة، أن يصل إلى تلقي التعليم الجامعي في جامعة السوربون ثم يشق طريقه ليصبح وزيراً للتعليم.

كما سبق لي القول، قام صديقي دكتور لويس عوض بتقديمي لأول مرة إلى طه حسين، وكان دكتور لويس قد قام بترجمة عدد من الأعمال الإنجليزية الكلاسيكية لكتاب مثل تشارلز ديكنز، توماس هاردي وإي إم فورستر.

وكان مرتبطاً بشدة بالمجلة الأدبية التي أطلقها دكتور طه حسين، والتي كانت تحتوي على الكثير من المواد المترجمة عن الإنجليزية والفرنسية، والتي أطلقت موجة قوامها توفير الكثير من أعلام الأدب الكلاسيكية في اللغة الإنجليزية والفرنسية في ترجمات عربية، وهو شيء شجع إلى حد كبير الأدب العربي الحديث على تقديم أعمال روائية وقصصية أصيلة، وجعل من الممكن لكتاب مثل توفيق الحكيم أن ينشروا أعمالهم ويوزعوها على نطاق واسع. وجعل من الممكن للقصة القصيرة والرواية والأعمال المسرحية أن تشق طريقها للنشر، وأصبح استخدام اللغة العامية، وبصفة خاصة كأداة للحوار، أمراً مقبولاً كذلك.

المصدر: صحيفة البيان