ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

عشاق فلسفة الكسل – 2

آراء

في حديثنا عن فلسفة الكسل، إنما نتحدث عن الكسل المنتج، والممتع، ولا نمجد العطالة والبطالة، ولا نرفع من مرتبة «تنابلة السلطان»، ولا الإنسان الخامل الهامل، ونعرف الأحاديث التي تنهى عن الكسل، والسور التي تقرأ على المبتلين به، لكنه كسل الحديث الفلسفي المحمود الذي يختص بأصحاب المشاريع الإبداعية الذين يحبون أن يوجهوا طاقاتهم في أعمال ابتكارية، لا أعمال كدّية جسدية، هو الكسل اللذيذ، وليس المضجر، كسل تحدث عنه الفيلسوف الألماني «نيتشه» والكسل الجذاب، وبعض فلاسفة اليونان مثل «دايوجينيز» الذي كان يدعو إلى التخلص من الأشياء المثالية والقيم، ولعودة الإنسان إلى حالته الغابية.

«كارل ماركس» الذي مجد العمال، وحركتهم، زوّج ابنته «لاورا» للمفكر الفرنسي «بول لا فارغ» الذي كتب كتاب «الحق في الكسل» مؤكداً على حقيقة الفرق بين الكسل الذي يعيشه الإنسان كحالة أجبرته عليها الحياة، وظروفها المتشابكة، وبين الكسل الذي يختاره كمنهج فلسفي في الحياة ينتج من خلاله، ولا يغدو عاطلاً، إنه نوع آخر من تفسير الكسل بين مفهومي الراحة ترفاً، ومفهوم القناعة بالراحة الإنتاجية.

أما الكاتب الإنجليزي «جيروم كلابكا جيروم» فقد ألف كتاب «أفكار تافهة لرجل كسول» وقدم من خلاله مفهومه الخاص للكسل اللذيد، والمقتنص من بين الأشياء في الحياة، من رتابة العمل، ومن ساعات الأيام، يقول: «إنني أعشق الكسل بلذة ممتعة، عندما لا يصح أن أكون كسولاً، لا عندما يكون الكسل هو الشيء الوحيد الذي هو أمامي».

وهناك كتاب «اعمل أقل تنجح أكثر.. الكسل هو سر النجاح» للكاتب الكندي «إرني زيلنسكي»، حيث قرن النجاح بالكسل الذي يستمتع به الإنسان، ويحفزه على الإنتاج والإبداع، وكسب النجاح والسعادة بمجهود أقل.

وقد كتب فلاسفة آخرون، خصوصاً بعد الحروب الكونية، في تعريف العمل الشامل والشاق، وأن الترفيه أساس الحياة ونبع السعادة، لأن العمل المضني يؤدي بحياة الإنسان نحو حتف سريع، جهداً جسدياً أو إنهاكاً عقلياً ونفسياً، ودعوا لساعات عمل أقل، واليوم هناك الكثير من البلدان تنتهج مشروعاتها المستقبلية بالاعتماد على الآلة، وإعطاء الإنسان الراحة والتدخل المحدود ضمن ساعات أقل وإنتاج أكثر وسعادة عائلية أكبر. وقد تتبعت آراء فلاسفة وأدباء وفنانين، وكلهم من الذكور، ولم أجد إناثاً دعون لفكرة الكسل الممتع والمنتج، ربما لأن النساء بعيدات عن الفلسفة، وربما بعيدات عن العمل الشاق والمضني ساعات طوال في اليوم، وربما لأن معظمهن يعشن ساعات أطول من كسل البيت.

ونختم حديث الكسل بالرواية الروسية الشهيرة «أوبلوموف» للكاتب «إيفان غونتشاروف» التي لخصت حياة بطلها في الذهاب بحياته إلى الكسل الذي يحب، ويتمنى حتى النهاية بالموت سعادة، لينعم بحياة لا تحدها حدود، ولا التزامات أبدية سرمدية.

المصدر: الاتحاد