إيمان الحمود
إيمان الحمود
إعلامية ومهتمة بالشأن الثقافي

على رائحة دمائنا يتراقصون!

آراء

تابعت باهتمام قضية الكاتب الصحفي الأردني جهاد المحيسن، الذي فصل من عمله وأوقفته السلطات في مطار الملكة علياء الدولي عائدا من بيروت، بعد أن أعلن تشيعه على مواقع التواصل الاجتماعي، منتقدا ما وصفه بـ”تخاذل” الحكومة الأردنية، وداعيا إلى إنشاء جيب للمقاومة في جنوب الأردن على الحدود مع إسرائيل. 

منذ تسعينات القرن الماضي، برعت إيران في التغلغل داخل بعض الدول، رغبة منها في نشر مشروعها بطريقة سلمية، إثر فشل فكرة تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية عن طريق العنف بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية، وفي سبيل ذلك طرقت طهران أبوابا كثيرة للولوج إلى المجتمعات العربية، لا سيما تلك التي تعاني مشكلات اجتماعية وسياسية. 

في المجتمع الأردني الذي أزعم أني أعرفه عن كثب، حاولت إيران استغلال العواطف الجياشة لدى المواطنين -والذين يرجع عدد لا بأس به منهم إلى أصول فلسطينية- فكانت قضية القدس هي المفتاح ومحور معظم الفعاليات والأنشطة التي تشرف عليها سفارة طهران في عمان، فضلا عن التعاطف مع حزب الله اللبناني والذي برز خاصة بعد حرب ٢٠٠٦، باعتباره شوكة قد غرست في عنق إسرائيل بمباركة إيرانية، كل ذلك كان سببا رئيسيا في الدفع بوهج المخطط الإيراني داخل أوساط الشباب الأردني، وأعتقد أن إيران آنذاك قد نجحت في مسعاها إلى حد ما، فظهرت حركة تشيع في الأردن أعلنتها فئة قليلة، وأضمرها كثيرون. 

داعش لم يتورع هو الآخر عن استخدام أساليب مماثلة كتلك التي استخدمتها طهران يوما ما، فنجده -مثلا- مطلع هذا الأسبوع يجدد دعوته إلى جماعة الإخوان المسلمين لمبايعته وإعلان ولاية تنضوي تحت لوائه في مصر، محاولا بذلك العزف على أوتار الضغينة العمياء الممتدة بين أتباع الجماعة والحكومة المصرية عبر العصر الحديث، وهو مسعى قد ينجح فيه التنظيم حتما لو استطاع توظيف تلك العواطف المتنافرة في خدمة مشروعه، خاصة أن التربة أضحت خصبة لزراعة بذور التطرف الداعشي في عدة دول وعلى رأسها دول ما بات يعرف بالربيع العربي. 

لكن السؤال الذي يبحث عن إجابة هو: هل نجح المشروع الإيراني في الحفاظ على صورته التي حاول جاهدا تلميعها في المنطقة طيلة سنوات مضت؟! الجواب لم يعد خافيا على عاقل، فالخارطة التي تم تمهيدها منذ سنوات للوصول إلى القدس والصلاة جمعا في المسجد الأقصى، قد ضلت طريقها عمدا بعد أن مرت على جثث الأبرياء في سورية والعراق، والأمر نفسه ينطبق على المشروع الداعشي، الذي ولد في الأصل مسخا، وفشل حتى في تجميل صورته، ليختار نفقا مظلما، ترتكز عقيدة كل من يسير فيه على قطع الرؤوس وحرق الأخضر واليابس.

مع ذلك، نلمس بوضوح تمددا لهذين المشروعين، ونجاحا في جذبهم أتباعا جددا يوما بعد يوم، وعندما نتساءل لا نجد سوى جواب واحد، التطرف يجر تطرفا، وكلما ازدادت حالة الاحتقان والغليان في أوطاننا، وجد كهنة وسدنة كل طرف أبوابا سرية جديدة لاقتحام عقول أبنائنا، واستخدامهم كأدوات في حرب عبثية امتدت لأكثر من 1400 عام. 

صحيح أننا قرأنا التاريخ، لكننا عجزنا عن فهمه واستقاء الدروس منه، وأنى يتأتى لنا ذلك وكل منا قد استأثر بكتابة تاريخه بنفسه؟! وحاول مستميتا أن يثبت للآخر أنه على حق، وعندما فشلنا اعتمدنا تلك الصفحات مرجعا لكره هذا الآخر والانتقام منه ولو معنويا على أقل تقدير. 

أغمضوا أعينكم لبرهة، وتخيلوا معي كيف سيكون واقعنا لو أننا نجحنا في الاحتفاظ بهذا التاريخ بين دفتي كتاب؟! لو أننا رفضنا أن يحكم حياتنا ويسيرها؟! وأبينا استخدامه كمعول لهدم أسمى معاني التعايش التي جمعت بيننا يوما ما، لكننا عوضا عن ذلك اخترناه حلقة مفرغة ندور في فلكها دون وعي ودون مقدرة على تجاوز حدودها الوهمية، لتجبرنا مع مرور الزمن على الاستمرار في دفع أثمان باهظة، تتجاوز بكثير حجم الدماء التي سالت منذ بدأت الحكاية، التي لا زال المتطرفون يتراقصون على رائحتها إلى مالا نهاية!

المصدر: الوطن أون لاين