هالة القحطاني
هالة القحطاني
كاتبة سعودية

عمقها في الإعلام

آراء

أرست الموروثات الاجتماعية والثقافة السائدة صورة نمطية وضحلة عن المرأة العربية، ساهم الإعلام في عملية تسطيحها وتشويهها بشكل كبير، حين حصرها في نصوص درامية ركيكة في مشهد ممل ظل يُهدر منذ سنوات في مسلسلات وأفلام لا يقال عنها سوى تجارة رخيصة وسريعة المكسب، غاب فيها المضمون والمعنى الرئيسي في القصة، لتطل علينا المرأة كمسخ بعيد عن صورتها الحقيقية، ربما لأن أغلب من يكتبون السيناريوهات رجال يأخذون الأمر كصفقة تجارية لا يهم إن كانت تنقل شخصية أو ملامح النساء، بل نقلت مفهوم وقناعة المخرج والمنتج، لذلك كانت أغلب مشاهدها تغرق في بحر من الدموع والنحيب والبكاء والكآبة، والصراخ المستمر.

منذ مدة والحملات تتوالى ضد سياسة الإعلام الغربي، الذي حول آدمية المرأة هناك إلى سلعة حين استغل جسدها بشكل مبالغ في وسائل الإعلام والإعلانات وعرضها كبضاعة ووسيلة لرفع نسبة الربح وللترويج لمنتج أو آلة جديدة، شنت تلك الحملات عدة هجمات قوية ومبادرات توعوية وصلت إلى البيت والشارع بهدف الضغط على وسائل الإعلام وشركات الإعلانات للكف من استغلال المرأة وتسليعها، وإذا كان الإعلام الغربي كان قد استغلها في النصف الآخر من الكرة الأرضية، فالإعلام العربي ليس بريئا من استغلالها أيضاً بالطريقة الشرقية، ولم تقتصر المسألة على الدراما والمسلسلات، بل تم إظهارها بشكل سطحي وساذج في برامج مقلدة بنسخة عربية تعتمد على مساجلات وعبارات استفزاز لجذب المشاهد، حتى البرامج الحوارية أصبحت ترتكز في محورها على العنصر النسائي لجذب المشاهدين، وحين تتابع ستكتشف ضحالة البرنامج واغتيال لغة الحوار التي يُستخدم فيها أسلوب المقاطعة بشكل فج، وتظهر برامج جديدة تظنها في بداية الأمر هادفة، ولكن تجدها تطرح قصصا ومآسي لسيدات يُصنع من تفاصيلها مادة تُعرض للمشاهد بطريقة ترفيهية على حساب أوجاعهن بحجة «لعل وعسى» أن يراها مسؤول فتؤثر في نفسه فيمد لها يد العون، وفي برامج أخرى تستضيف المحطة ممن لا شأن له مع آخر من ذوي الاختصاص لتبدأ مناظرة «معها وضدها» تعيدك إلى الوراء عشرات السنين في رحلة مملة ضد عقارب الساعة توصلك في النهاية لزمن المملكة بالأمس، والأدهى من ذلك البرامج التي استحوذ على الظهور فيها أفراد يطلقون على أنفسهم رجال دين، ليُفتح للرجل منهم المجال على مصراعيه يتحدث في مواضيع نسائية حساسة في تفاصيل تدور في فلك جسدها بشكل مخجل وفاضح تستحي حتى النساء من ذكره لأمهاتهن، وكأن الحياء لم يعرف طريقا إليهم، ليقهقه المشاهد العربي على الضيف وهو يعتدي على الأدب العام بألفاظ إباحية كفيلة بخدش حياء نصف نساء العالم!

ابتعد الإعلام الرسمي عن ملامسة احتياجات المرأة باحترام، وتصوير معاناتها بواقعية بسبب ضعف بعض القوانين على سبيل المثال، ولم أر برامج تستحق الإشادة أو الاحترام مثل بعض أفلام اليوتيوب الهادفة التي أطلقها شباب من هذا الجيل الواعي بطريقة عصرية جذبت المشاهد وحققت هدفها، بمهنية عالية لتوثق معنى المسؤولية الاجتماعية، حيث تشعر أثناء متابعتها أن هدفها رفع الوعي الحضاري للفرد بطريقة عصرية وجذابة وليس للكسب، الإعلام الجيد يجب أن يستمر في الصعود ولا ينساق وراء الرخيص، بتناول قضاياها بشكل مبالغ به وكأنها للتو هبطت إلى الأرض، بل ينبغي القيام بدوره الحقيقي بشكل شامل دون التركيز عليها بمفردها، بل بحقيقة أهميتها في الأسرة ودورها كجزء من المجتمع، ومن مسؤولية أصحاب المحطات والقنوات الآن التركيز في الدرجة الأولى على نشر القيم التي تُبقي تماسك ونجاح الأسرة الواحدة وأهميتها في بناء المجتمعات المتحضرة لأن المجتمع العربي بحاجة ماسة إلى تذكيره بمكارم الأخلاق بعد أن شوهتها الاضطرابات التي تشهدها المنطقة منذ سنوات، ومن المهم أيضاً أن لا يستمر تغييب صورة الرجل «الجنتل مان» من المشهد بالتركيز المتواصل على وجه الشرير والإرهابي، حتى كدنا ننسى ملامح الرجولة.

وربما نستنبط معنى آخر من خلال هذا الخبر الغريب الذي انتشر سريعاً في وسائل الإعلام وينص على «عزم وزارة الشؤون الاجتماعية لدراسة مقترح يلزم الفتيات المقبلات على الزواج «بالخضوع» لدورات تأهيلية وتدريبية في كيفية التعامل مع الرجل ودراسة نفسيته وأسلوب الحوار معه ومعرفة الحقوق والواجبات والطرق المثلى للتغلب على المشكلات في بداية الحياة الزوجية، ويعد برنامج «بيتك جنتك» المعتمد من المؤسسة العامة للتعليم والتدريب المهني كواحد من أكثر البرامج التي ستساعد على إبقاء الحياة الزوجية والحد من نسبة الطلاق، لأنه سيدرب الفتاة على طريقة الحوار مع الرجل وأصول الإتيكيت والترتيب والتنظيم والطهي»، المؤلم في الخبر الاستفزازي بأن مركز التدريب الذي يعمل منذ خمس سنوات بجد لتدريب الفتيات، لم يذكر بالمقابل ماذا لديه لتأهيل الشباب، الذي يخرج من بطن أمه محترفاً في فن السعادة الزوجية!!

لن يتحضر ولن يتطور المجتمع العربي طالما الإعلام مازال يشارك المؤسسات المدنية في التعامل مع «المرأة» بعنصرية على أساس أنها كائن غير مكتمل النمو ومشكوك في آدميته، وهي في الأساس أعمق مما التقطه الإعلام.

المصدر: الشرق