بدر الراشد
بدر الراشد
كاتب سعودي

«عملية السلام» في خطاب الرئيس الأميركي

آراء

نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية قبل أيام مقالة للرئيس الأميركي باراك أوباما بعنوان: «السلام هو الطريق الوحيد للأمن الحقيقي لإسرائيل والفلسطينيين» على هامش مؤتمر إسرائيل للسلام، الذي عقد في فلسطين المحتلة خلال الأيام الماضية، هذه المقالة تتحدث بشكل واضح وصريح عن معنى «عملية السلام» بالنسبة إلى أميركا وأهم رعاته، ويمكن اعتباره تلخيصاً لمعنى «السلام» في عرف «المجتمع الدولي» عند الحديث عن القضية الفلسطينية.

وقبل الحديث عن مقالة الرئيس الأميركي، يبدوا مثيراً للانتباه هذا التوافق شبه الدائم بين مؤتمرات السلام، وتصعيد اعتداءات آلة الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، فهذا المؤتمر واكبه سقوط عشرات الشهداء الفلسطينيين في عملية «الجرف الصامد»، كما ردت إسرائيل أيضاً عسكرياً وبشكل دموي على مبادرة السلام العربية التي قدمت عام 2002، التي عرض فيها العرب الاعتراف بإسرائيل في مقابل أراضي 67 في تسوية شاملة، وفق أوسلو وقرارات الأمم المتحدة، فكان الرد الإسرائيلي مزلزلاً في اجتياح دموي لقطاع غزة بعد أيام من تقديم المبادرة.

هذا التوافق بين دعوات السلام الإسرائيلية والعمليات العسكرية ضد الفلسطينيين ليس مصادفة أبداً، ولا يحمل بين طياته أي تناقض إذا فهم ما معنى «السلام» في هذا السياق، وهذا ما يمكن قراءته بشكل مباشر وواضح في مقالة الرئيس الأميركي سالفة الذكر، فالرئيس الأميركي ذكر جملة «أمن إسرائيل» أكثر من 12 مرة في المقالة التي بدأها بالتحسر على أطفال سديروت الإسرائيليين المحرومين من الأمن، والفتيان الإسرائيليين الثلاثة الذين اختطفوا.

لا يوجد أية مفارقة، فكل عملية السلام بالنسبة إلى باراك أوباما تتعلق بحفظ أمن إسرائيل، أمن إسرائيل هو المبتدأ والمنتهى والغاية، فأميركا – بحسب الرئيس أوباما – تدخلت في جميع أنحاء «الشرق الأوسط» من أجل تحقيق أمن إسرائيل، لذا أزالت أميركا الأسلحة الكيماوية التي يمتلكها النظام السوري، وكثفت دعم «المعارضة المعتدلة» في العالم العربي، وتفاوضت مع إيران حول المفاعل النووي، فالدافع الأول لكل سلوكيات الولايات المتحدة في المنطقة هو حفظ أمن إسرائيل.

لهذا ولأن عملية «السلام» مسألة جذرها وأساسها حفظ أمن إسرائيل، لا يرى أحد أي تناقض بين عقد مؤتمر إسرائيلي «للسلام» في الوقت الذي تدك فيه صواريخ الجيش الصهيوني قطاع غزة، فهذه العمليات العسكرية تشن من أجل حفظ أمن إسرائيل، و«السلام» يجب أن يتم من أجل تحقيق أمن «حقيقي» لإسرائيل – بحسب تعبير الرئيس الأميركي – لذا فدك غزة وقتل الفلسطينيين أمر متفهم في سياق «أحاديث السلام» الأميركية.

وهذه الرسالة يوصلها المتعاطفون مع الصهاينة أيضاً، عندما يؤكدون أهمية السلام مع إسرائيل في كل وقت تدافع فيه المقاومة الفلسطينية عن وجود الشعب العربي وحقه بالتحرر من الاحتلال.

الحديث عن الفلسطينيين في مقالة الرئيس الأميركي جاء عابراً بارداً بلا معنى في فقرة واحدة، فهو حديث خجل عن الشعب الذي يريد أن يقاسم الإسرائيليين أرضهم التاريخية ودولتهم اليهودية، فأوباما يؤكد «يهودية الدولة» و«أمن إسرائيل» ووجوب اعتراف العرب بها ووقف «العنف» ضدها، ثم يذكر بشكل عابر أحلام أطفال فلسطين بالهدوء، الهدوء الذي لا يعكر صفو أمن إسرائيل، من دون إشارة إلى آلة القتل الإسرائيلية التي تقتل أطفال فلسطين، فمكدر صفوهم «مبني للمجهول».

الرئيس الأميركي تحدث عن كل شيء، ما عدا «الفيل القابع في الغرفة» كما يقال وهو الاحتلال، هو لم يشر حتى إلى أراضي 67 وهي المحتلة «قانونياً» حتى في شرع الأمم المتحدة.

الرئيس الأميركي لم يتحدث عن توسع المستوطنات الإسرائيلية، التي أوجدت لتنسف أي جهد لحل الدولتين، الحل الذي مات ودفن وتعفن، وتحول إلى عملية سياسية تسويقية كبرى بلا أمل أو مستقبل.

الرئيس الأميركي تجاهل الحديث عن عودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين في المنافي، تجاهل حصار غزة، أو الإشارة إلى الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على الشعب الفلسطيني بالأراضي المحتلة كافة، ولم يشر إلى عمليات هدم منازل الفلسطينيين على سكانها وتجريف الأراضي، والحال اللا أخلاقية التي يتعامل معها الاحتلال مع المناطق العربية في الضفة وغزة، ولم يكتب الرئيس الأميركي حرفاً واحداً عن العنصرية الصهيونية ضد العرب في داخل دولة الصهاينة، بل أكد في المقابل «يهودية الدولة» ما يبرر عنصريتها، لم يتحدث الرئيس الأميركي عن جدار الفصل العنصري، وأي من المظالم التي يعانيها العرب هناك، لم يشجب ولو مجاملة أي إجراء إسرائيلي دموي ضد الفلسطينيين.

من لا يعرف الواقع، أو لو افترضنا أن المقالة قرأت من كائن قادم من كوكب آخر، أو من «الميدويست الأميركي»، فسيتخيل أن الشعب اليهودي يعيش وسط شعوب من مصاصي الدماء كما في أفلام هوليود، لن يخطر على باله أبداً أن الرئيس الأميركي يتحدث عن دولة قامت على المجازر، وتقتات عليها كل يوم، فالمجازر هي تاريخ الصهاينة الأوحد.

مقالة الرئيس الأميركي مقالة نموذجية، تعكس تماماً تفكير كل من يتحدث عن السلام اليوم في مقابل المجازر الإسرائيلية، وفي ظل إفراغ عملية السلام من أي معنى، فالسلام في هذا السياق هو استسلام مطلق، إماتة لمطالبات الشعب الفلسطيني، وكسر إرادة المقاومة أو الحق برفض المحتل، أو رفض الحد الأدنى، وهو نعت ما يحدث في الأراضي الفلسطينية بالاحتلال، السلام هنا اعتراف نهائي وغير مشروط وبلا مقابل بالكيان الصهيوني، والخضوع التام للآلة العسكرية الصهيونية.

عملية السلام هنا لا تتجاوز بأية حال من الأحوال مسألة حفظ أمن إسرائيل «الدولة اليهودية»، وضمان مستقبل شعبها.

المصدر: الحياة