محمد المرزوقي
محمد المرزوقي
كاتب إماراتي

عندما تشيخ المدن

آراء

من يعش في مدينة القاهرة حالياً، فستصيبه الحسرة عندما يرى صور هذه المدينة المميزة في العام 1950، وما قبلها عندما كانت تنافس باريس ولندن في جمالها ورونقها، ولن يصدق بأن كل هذا التلوث البيئي والبصري الحالي كان نتاج نصف قرن فقط من الفوضى، وبأن مدينته الحبيبة تعيش في مرحلة سريعة من الشيخوخة المؤلمة.

في العام 1978 صرح ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبدالعزيز بأن مدينة الرياض ستضاهي كبريات المدن العالمية بحلول العام 1985، ومن زار مدينة الرياض بعد هذا التاريخ بعدة سنوات كان سيرى بأن الكثير من الخطط الموضوعة تم تنفيذها، وأن الرياض كانت متقدمة على كافة مدن الخليج من حولها من ناحية البنية التحتية، ولكن من يزور الرياض الآن سيرى بأن هذه المدينة قد دخلت أيضاً في سباق مع الشيخوخة. ما الذي يجري؟ وما الذي يجعل مدننا العربية الجميلة تشيخ بسرعة مقارنة بالمدن العالمية الأخرى؟

إن من أهم المسببات برأيي هو عدم وجود جهة مشرفة ومتخصصة قادرة على ضبط نمط حياة أي مدينة، لضمان إبقاء شباب هذه المدينة لأطول فترة ممكنة، وتكون مسيطرة على كافة إجراءات سير وتطور الحياة، وتتولى التنسيق بين كافة الجهات الخدمية، لضمان وجود حد معين من الجودة في كافة خدماتها. فما نراه الآن هو تخطيط عشوائي غير واضح من جميع الزوايا لأغلب مدننا العربية.

فمثلاً لا يوجد مخطط رسمي يوضح السقف الأعلى لسكان أي مدينة أو درجة التلوث المسموح بها أو عدد ونسبة المحلات والنشاط التجاري والثقافي والاجتماعي والطبي فيها، أو عدد السيارات المسموح لها بالتنقل والوجود في هذه المدينة، أو النمط المعماري العام للمدينة .. وغيرها الكثير من هذه القوانين التي تضمن ألا تختنق المدينة بسكانها، وتكفل أن تنتقل دماء الحياة في أوردتها بسلاسة، كي لا يدب الموت في أطرافها، ومن ثم ينتقل لمركزها أو العكس، وكي لا تتحول مدننا إلى مسخ تصطف على واجهاتها كافة النسق المعمارية من حول العالم وبدون أي تناغم.

بعض مدننا الإماراتية الآن تواجه نفس الخطر، فالكل شاهد على اختناق شوارعنا اليومي بالسيارات وازدحام كافة مرافق الخدمات، وازدياد نسبة التلوث وضخامة المشاريع العمرانية، وامتداد مدننا الأفقي الكبير، والازدياد الكبير في السكان، وهي كلها عوامل ستتكاتف وتتحد في ما بينها لتكون في النهاية حلقة نخشى أن تضغط على عنق مدننا الإماراتية لتشيخ هذه المدن، تلك المدن التي نفتخر بجمالها حالياً، وسيكون من الصعب والمكلف جداً في ما بعد أن نعيد الشباب إليها، لهذا فنحن مطالبون الآن بالانتباه لهذه النقاط، ووضع الأنظمة الشاملة لضمان استمرار شباب هذه المدن، فهل يتحقق ذلك؟

المصدر: الرؤية