زياد الدريس
زياد الدريس
كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو

عن أي «حزبية» نتحدث؟

آراء

لو نقلنا نقاشاتنا التحذيرية «الوطنية» عن الحزبية إلى صحيفة غربية أميركية أو أوروبية أو إلى منتدى آسيوي ياباني أو هندي لفُهم بأنه نقاش ضد الديموقراطية والتعددية، فيما نحن نسعى به إلى تأكيد التعددية!

لماذا هذا الإلتباس؟

لأن السياق الثقافي لدلالات مفردة «الحزبية» يختلف عندنا عنه عندهم. فالحزبية في الأنظمة الديموقراطية هي وسيلة للتعايش وللتعبير عن أطياف المجتمع وتوجهاته بما تكفله المسؤولية الإجتماعية التي أسست في عصر النهضة الأوروبية أنظمة تداول السلطة وإدارة البلاد وفق مفردات تُفهم وتُستوعب في سياقها الثقافي الذي نشأت وترعرعت فيه، وهنا سندلف من باب سوسيولوجيا الثقافة كأداة لتأويل «الحزبية» وفق سياقاتها الثقافية ومواطنها الإجتماعية المثارة فيه.

في الثقافة العربية تحمل كلمات حزب وأحزاب في الغالب دلالات سلبية لم تخلُ بالطبع من تأثر بالنصوص القرآنية الكريمة التي لم تذكر الحزب إيجاباً إلا في مواضع محدودة، أبرزها قوله تعالى: «أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون»، بينما أتت آيات أخرى في سياق سلبي وانتقاصي للحزب والأحزاب.

وقد فطن شيخ الإسلام ابن تيمية إلى ما غفل عنه بعض شيوخ الإسلام المعاصرين، حيث قال في الموقف من الأحزاب، بإيجاز: «فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم، وإن كانوا قد زادوا في ذلك أو نقصوا مثل: التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل، والإعراض عمّن لم يدخل في حزبهم سواء كان على حق أو باطل، فهذا من التفرق الذي ذمه الله ورسوله، فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف، ونهيا عن التفرق والاختلاف، …). ومنطوق كلام ابن تيمية أن لا مذمة في أصل الأحزاب، لكن تستحق الذم حين تكون سبيلاً للتفرق والتنازع، كما هو حاصل في كثير من حزبياتنا المعاصرة في العالم العربي الآن.

عودة إلى فروقات الأنساق الثقافية، فالحديث العربي عن الحزبية هو ليس حديثاً عن الانضمام المجرد لحزب، أيّاً كان، بل عن التعصب الحزبي الذي يتولد غالباً عن الانضمام لأحزاب تفرّخ للأسف هذا التعصب، غير غافلين عن أن التعصب الحزبي ينتج أحياناً ومن جهة أخرى من لدن مناهضي الأحزاب ومكافحيها، أو من يمكن تسميتهم: المتحزّبون ضد الحزبية!

لذا يعمد بعض اللسانيين، لأجل التفريق بين الدلالتين الثقافيتين، إلى وصف موضوعنا هذا بـ «الحزبوية» لتمييزه عن «الحزبية» الديموقراطية التي عند الآخر. أي أننا نتحدث هنا عن الحزبية التي تعني التعصب والأحادية الإقصائية، لا عن الحزبية التعددية بمفهومها الديموقراطي الخالي من الشوائب… هذا إن كانت هذه الحزبية أيضاً خالية من الشوائب حقاً؟!

المصدر: الحياة