جعفر الشايب
جعفر الشايب
كاتب وناشط حقوقي، راعي منتدى الثلاثاء الثقافي، وعضو المجلس البلدي بمحافظة القطيف

غياب الحوار السياسي

آراء

يحكي أحد الزملاء أنه إبان الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، قامت مُدرسة الصف الذي يتعلم فيه ابنه في بدايات المرحلة الابتدائية بتوزيع الطلاب إلى فريقين يمثلان الحزبين الرئيسيين في أمريكا، وطلبت من كل فريق انتخاب مرشح عنهم، وأجرت بينهما مناظرة انتهت بأن قام الطلاب بالتصويت لأحدهما.

في البلدان المتقدمة يتعلم الأفراد منذ الصغر مختلف أشكال المشاركة والتفاعل مع الشأن العام وآليات اتخاذ القرار، وإبداء آرائهم حول مختلف القضايا العامة. وبالإضافة عما ينتجه هذا التفاعل من حراك اجتماعي وسياسي ومشاركة عامة، فإن هذه الممارسة تقود للاحتكام إلى الحلول السياسية والتسويات حول مختلف أشكال الصراعات والتنافس بين مختلف القوى الاجتماعية.

من هنا، فإنك لا تجد في مثل هذه الدول أي شكل من أشكال الاحتراب المباشر بين الأطراف المتصارعة مهما تباينت وجهات النظر بينها، وتعددت خلفياتها الأيديولوجية والسياسية، بل إنهم يحتكمون دوماً إلى التسويات السياسية كمخرج لمثل هذه الصراعات.

أما في بلداننا العربية، فإنها تعيش حرمانا على الصعيد السياسي في مختلف المجالات، بل إنه يُنظر إلى المهتمين في المجال السياسي وشؤونه بأنهم يتدخلون في قضايا هي من اختصاص الحكومات فقط. كما أن الفضاء العام لا يهيئ أي مجال مناسب للحوار السياسي بين مختلف القوى الاجتماعية لبلورة وجهات نظرها، وفتح المجال أمام تسويات معينة تخدم الجميع، ولا بين هذه القوى والحكومات القائمة التي تصد الأبواب أمام أي حوارات أو نقاشات سياسية.

البيئات المحلية تحرم على الناس المشاركة في السياسة وممارستها، وتفرض عليهم الابتعاد عن التعاطي معها، فالسياسة ممنوعة عرفاً وشرعاً، ولا أحد يمكنه أن يتناولها من قريب أو بعيد.

إن تغييب الحوار والتفاهمات السياسية كأسلوب لمعالجة الصراع والتنافس القائم بين مختلف فئات ومكونات المجتمع، سيقود إلى البحث عن سبل ووسائل وأساليب أكثر حدة لحسم هذه الصراعات. فأي مجتمع بشري تنتج فيه حالات من التنافس والصراع بين مختلف فئاته ومكوناته، ولا بد من أجل حماية المجتمع إيجاد بيئة سلمية مناسبة للتعبير عن هذا التنافس.

لعل من أبرز مسببات اللجوء إلى العنف والمواجهة والاحتراب بين القوى السياسية في منطقتنا، هو غياب بيئة العمل السياسي وثقافة الاحتكام إلى التسويات. فالحل الممارس عملياً هو استنفار جميع موارد الصراعات واستنهاض مختلف العوامل الأيديولوجية والإثنية والمذهبية والمناطقية المحرضة عليه، من أجل نقل الصراع إلى حالة تصادمية قابلة للتفجر بصورة أوضح.

وإذا كانت القوى الخارجية وبعض الحكومات ترغب في سيادة مثل هذه الحالة من أجل إضعاف المجتمعات المحلية وعدم إفساح المجال أمامها للمشاركة السياسية الفاعلة، فإن من واجبنا جميعا تغليب الخيارات في كل القضايا التي نمر بها للوصول إلى معالجات مناسبة بدلاً من الاحتكام للعنف، وأساليب التشدد التي ثبت أن لها نتائج عكسية عميقة.

المصدر: صحيفة الشرق