«فترينة» الفرح

آراء

مثل طفل يتيم يحدّق في «فترينات» الملابس الجديدة، ينظر إلى الأطفال المبتهجين بهداياهم للتو، يتبع بإصبعه حبال الزينة الممتدة من بين المحال كخيط من ضياء، يشتم رائحة العيد المنبعثة من المخابز، يرفع كيس أوجاعه على ظهره ويمضي دون أن يكترث به أحد.. هي العوصم.

**

في العيد أشتاق إلى «دمشق» العيد، دمشق الشوارع المزدحمة، دمشق المسالمة، واجهات المحال اللامعة، التحيات الشامية اللطيفة والغارقة بالمجاملة، الأسواق التي تشهد مفاصلات طويلة، البيوت ذات الشبابيك الضيقة المزيّنة بالورود، الأزقة التي لا تدخلها إلا الدراجات الهوائية، الأحياء ذات البلاط العتيق والأحجار السمراء المرصوفة، الأزقة التي تبيت فيها «طرطيرات» الناس البسيطة، إلى «الشراويل» العريضة والطواقي البيضاء الخارجة للتو من المسجد الأموي.. ترى متى سترتدي دمشق ثوب العيد مثل شقيقاتها، فثوب «العمليات» لا يليق بالجميلة ربة الابتسامة الياسمينة وربة الجديلة.

في العيد أشتاق إلى «بغداد» العيد، إلى عباءة «أبي جعفر المنصور» المخيطة من النحاس، إلى أهداب الورد الذي يغالبه النعاس، إلى النخل الشاهق كمرود كحل يزين عين المدينة، إلى مواويل العشق الحزينة، إلى تناقضات الرشيد و«أبي النواس، إلى قلب الأمهات الذي مرّت عليه ألف حرب وما انكسر، إلى التاريخ الذي تيمم برمال العروبة، اشتقت إلى عبارة «لا سنة ولا شيعة… فبين الرمش والرمش قد تمت البيعة»، فهذه الأهداب العربية فداء للعراق فقط، ترى متى سترتدي بغداد ثوب العيد، متى ستفك قطب الحزن عن شفتيها وتطلق الابتسامة، منذ 13 عاماً وهي مرهونة للون العمامة.

أشتاق لفلسطين العيد، إلى «الراديوهات» المنصوبة فوق النوافذ الطينية، إلى الخطابات الوطنية، واللباس المقاوم الأخضر، إلى اليد التي كانت لا تصافح إلا البندقية، إلى أهازيج الشهيد، إلى الأمهات الجالسات على أدراج البيت البعيد، ينتظرن بفارغ الشوق دفعة للأسرى على العيد.. أشتاق للتطريز الملوّن على ثياب الصابرات كسهول بيسان، إلى الشال الأبيض الطويل كغيمة.. أشتاق إلى الأمهات اللاتي كن يختصرن القضية والوطن بقطعة قماش، ثيابهن أرض وشالاتهن سماء، ترى متى سترتدي فلسطين ثوب العيد، متى ستصنع لنا «خبزاً» من غير قيد.

أشتاق إلى طرابلس، إلى القاهرة، إلى بيروت، إلى تونس.. أشتاق إلى أن ترتدي العروبة ثوب العيد مرة، لا طعناً في الخاصرة، ولا نزفاً في العواصم الحاضرة.. أشتاق إلى أن يحلق الوطن الكبير بثوب السلام مرة، أن يضحك الطفل في نواكشوط، فأسمعه في عمّان، لا يقطع الضحكة صوت انفجار أو إطلاق نار.. أشتاق إلى أن نستثني الأحمر، وندلق ألوان الطيف لنرسم وجه الزمن.. أشتاق إلى أن أرى الوطن الكبير كما يجب أن يكون عليه الوطن، لا مجرد خريطة ملفوفة بكفن!

المصدر: الإمارات اليوم