سهام الطويري
سهام الطويري
كاتبة سعودية

فضائح علمية سعودية

آراء

من العار طبيعيا أن تتعرض المؤسسات العلمية والبحثية والطبية السعودية المرموقة لعمليات تشويه لسمعتها العلمية بسبب سوء السلوك العلمي لبعض منسوبيها العلميين والطبيين الضالعين في الاهتمامات البحثية، إلا أن الأنكى من ذلك هو استمرار سوء السلوك العلمي وربما اضطراده وما يضاف إليه من ممارسات التفاف على الأنظمة بتلك المؤسسات في ظل مروره دون الإبلاغ عنه أحيانا أو توجيه الإنذارات والانتقادات التقويمية إليه، ربما يعزى ذلك إلى العلة القديمة في الانخفاض الكبير لسقف الحماية عن المنتقدين والمبلغين والذي يعول الكثيرون على ارتفاعه مستقبلا بعد سير النهج الحكومي الرسمي على سياسة الإصلاح في المجال العلمي وتقويمه من خلال برامج شراكة أشهرها توقيع مذكرات التعاون مع «نزاهه»

إلا أنني أرى أن الاحتكام العلمي إلى نزاهة سيكون منقوصا وغابنا للباحثين عن العدالة العلمية ما لم يكن هناك انتهاج جديد لتقديم العلماء والباحثين المضللين إلى محاكم «علمية» للتقاضي بشكل متخصص

وكل ذلك في حال تجاوز أحكام اللجان القانونية في تلك المؤسسات

على أية حال، لا يظهر الخوض في فساد المجتمع العلمي السعودي على سطح الانتقادات الشعبية ربما لتواضع تأثيره عالميا بشكل عام استنادا إلى مقارنة عمر المجتمع العلمي السعودي بالعالمي، وهو ما يوحي أيضا بمثالية عالية غير صحيحة، متطرفة في مقياسها، تتلخص في أحد إحتمالين: إما أن يكون المجتمع العلمي في أعلى مقاييسه المثالية جدا فلا يشوبه الخطأ أبدا، وهذا مستحيل، أو أن النقاش المجتمعي المطلع بالوسط العلمي في أدنى مستوياته القياسية، وهذا خطأ أيضا، خصوصا في هذا العصر الشبابي المنفتح على العالم العلمي وتواصله بكل بساطة مع أشهر علماء العلم حول العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي

تتجه المشكلة الأساسية إلى عواملنا الثقافية المختصة بنا التي يمكن أن تمرر الخداع والتضليل دون محاسبته او إيقافه استنادا إلى توظيف بعض الموروثات الفكرية الدينية في التستر على الإهمال والفساد مع أن الحاجة للتشهير والعقوبة ملحة لسببين جوهريين: ردع باقي الناهجين للتضليل والمراوغات العلمية، وضرب المثل الجيد للسلوك القويم للناشئة العلمية المقبلة وتبصيرها بما يمكنها أن تتجاوزه من سلوكيات علمية سيئة وتحذيرها من أحاديث النفس المشبوهة علميا

نجد أن التغاضي عن السلوك العلمي السيئ حال حدوثه راجع إلى أن مواراة العلماء والباحثين إجمالا لبعضهم البعض مطلوبة بسبب تبادل المصالح، إن وجدت، أو لتجنيب أنفسهم المقامرة بحياتهم المهنية، في ظل وجود سلطة تقاض علمية خاملة أحيانا في مؤسسات العلم الأكاديمية والبحثية تتحاشى تجريم المخطئين من العلماء حتى نصل لمرحلة أن «يقع الفأس في الرأس»، وهذا أمر طبيعي يحدث في كل البلدان التي يكون فيها النفوذ السياسي للعلم ضئيلا

أشهر ما يمكن اعتباره فضيحة علمية محلية يمكن ذكر بعضه هنا: ففي مرحلة التسعينات تم تكريم طبيبة سعودية على مستوى حكومي بعد تجربتها زرع رحم بشري من إمرأة لإمرأة بشكل مباشر دون التجريب التسلسلي في المختبر، وهو ما عدته منظمات البحوث المرموقة دوليا جناية مباشره لتجاوزها كل مقاييس البحث والتجريب العلمية، وقد أثبتت تجربتها لاحقا ضررها المشين وأكدت أن الطبيب لا يفترض به أن يتجاوز عمله التطبيبي إلى البحثي ما لم يكن مؤهلا بشكل دقيق وعلى خلفية مسبقة بتفاصيل المختبرات العلمية

أما في هذه الأيام فقد انتشرت بفضل وسائل التواصل الاجتماعي قصة الباحثة «الأحيائية» التي اكتشفت أجساما مناعية في بول الإبل، لتتجاوز أيضا عملها البحثي هذا بدلا من تطويره والتسلسل المتخصص عليه، إلى وصولها لتطبيب الناس المرضى! من خلال تصنيعها لأدوية ومركبات، علما بأن التصنيع الدوائي ليس من اختصاصها، كما أنها ليست مؤهلة للطب قانونيا!وفيما يتعلق بممارسات السرقات العلمية والتشهير بأصحابها من الباحثين السعوديين في المجلات العلمية يمكن المرور عليه في هاشتاق #سرقوني، والذي أسسته البروفيسورة السعودية سحر الخشرمي بعد معاناتها الشخصية وتعرضها لسرقة علمية

أشهر فضائح العلم الدولية تتعلق بالمقام الأول بتلفيق البيانات ونشرها في أعرق المجلات البحثية كالنيتشر والساينس وغيرهما من المجلات العلمية ذات معامل التأثير القوي، ففي كل عام تنشر الصحافة الأجنبية أشهر عشر فضائح علمية حصلت خلال العام من جميع أنحاء العالم وقد ضلع في بعضها مؤخرا علماء أمريكيون وفرنسيون ويابانيون وغيرهم من الدول المتقدمة علميا، يقف خلف هذا النوع من الفضائح «الراقية في مستواها» علماء وصلوا لدرجة الخبرة العالية في تزوير الحقائق ما مكنهم من الاستخفاف بالنشر في أحدث المنشورات العلمية، هذه المرحلة لم نصل لها قطعا لعدم وفرة المنتج المحلي من هذا النوع النخبوي من العلماء

وقد سارت صحيفة الأهرام على المستوى العربي على نهج ملاحقة وكشف اللصوص العلميين في ممارسة صحفية تكاد تكون المتميزة على مستوى الصحافة العربية

مثل هذه الأمثلة وغيرها تقترح بضرورة ملحة على الجهات المتخصصة أن ترفع من مقاييس ومستويات النزاهة العلمية وتسعى إلى إحقاقها كثقافة في حصيلة الأفراد، فما نعاني منه في هذه المرحلة من العمر العلمي ناتج عن أزمات أخلاقية وليست علمية، لأن القائمين على هذه السلوكيات العلمية السيئة بالغون درجات متقدمة من العلم وعلى دراية مسبقة بجرم تجاوزاتهم العلمية قانونيا، أي أن ما نعانيه مرحليا من أخطاء يعود للبشر أنفسهم وليس للبحوث في ذاتها

المصدر: مكة أون لاين