د. توفيق السيف
د. توفيق السيف
باحث سعودي

في بغض الكافر

آراء

تفسيرات ابن خلدون للتحولات الاجتماعية والسياسية التي لخصها في مقدمته المشهورة، أثرت في كثير من كتاب العرب المعاصرين، سيما الإسلاميين منهم. ومنها مثلا ما قرره عن ميل الأمم المغلوبة إلى تقليد الغالب في كل شيء. لا أعلم إن كان الفقهاء قد تأثروا أيضا بهذه الآراء، لكني طالما وجدت نفسي حائرا إزاء ميل أغلبهم للتأكيد على الحدود الفاصلة بين المسلمين وغيرهم من أمم العالم. وأذكر نقاشا أجريته قبل زمن بعيد مع المرحوم محمد طاهر الخاقاني وهو فقيه معروف بحسن استنباطه، وإن لم يشتهر بين الناس، سألته عن سبب تشدده في أحكام العلاقة مع أهل الكتاب، فأخبرني أنه يفتي بذلك لعامة الناس، تلافيا لتأثرهم بثقافة الغالب ونمط حياته. وذكر لي رأي ابن خلدون، ولم أكن مطلعا عليه قبل إذن.

فيما بعد وجدت معظم الفتاوى المتصلة بغير المسلمين ــــ بل حتى بالمسلمين المخالفين في المذهب ــــ ميالة إلى القطيعة معهم والتحذير منهم. وهذا سلوك عام عند فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم.

سبب استرجاع هذه المسائل التي ضاعت في تلافيف الذاكرة، هو ما شهدته من ردود فعل علماء المسلمين على الفظائع التي ارتكبتها داعش في حق المسيحيين والإيزيديين في شمال العراق. فقد لاحظت أن معظم من استنكر تلك الأفعال الشنيعة، برر رفضه لها بكونها مسيئة لصورة الإسلام في العالم، وليس بكونها في ذاتها أفعالا قبيحة مخالفة لقيم الدين والإنسانية. وغرضي من هذه الإشارة هو التنبيه إلى أن كتبنا الفقهية مليئة بالآراء والنصوص التي تعزز ميل المسلم إلى اعتبار نفسه في حرب أبدية ضد مخالفيه في الدين.

أعلم أن تلك الأقوال لا تؤثر في جميع الناس، لكني أرى غالب المسلمين مرتابا في أتباع الديانات الأخرى. وهي ريبة تنقلب في ظروف الأزمة إلى سلوك عدواني تجاه المخالف رأينا تجسيداته في مجتمعات مسلمة كثيرة. تلك الريبة وما تولده من سلوك عدواني ليس نبتا في صحراء، فجذوره عميقة في ثقافتنا العامة التي يتربي عليها جمهور المسلمين وعلماؤهم وقادتهم على السواء. يحوي التراث والنصوص الإسلامية أنواعا من التوجيهات يدعو بعضها إلى ملاينة المختلف بينما يشجع البعض الآخر القطيعة. وحين يقرأ الفقيه أو الداعية هذه النصوص فإنه يختار ــــ بشكل عفوي ــــ ما ينسجم مع الثقافة السائدة وميول الجمهور.

ما جرى في شمال العراق نذير بخطورة تلك الآراء والتعاليم. حري بأهل العلم أن يقولوا للناس صراحة، إن الارتياب في المخالف والعدوان على غير المسلم عمل قبيح بذاته، وليس فقط لأنه مسيء لسمعة المسلمين والإسلام. العدوان على الناس ليس موضوع علاقات عامة كي ننظر في تأثيره على صورتنا في العالم، بل هو خروج عن قيم الدين والأخلاق الفاضلة. ولهذا السبب بالتحديد يجب أن يدان ويستنكر.

المصدر: الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2014/08/19/article_878139.html