جعفر الشايب
جعفر الشايب
كاتب وناشط حقوقي، راعي منتدى الثلاثاء الثقافي، وعضو المجلس البلدي بمحافظة القطيف

قضية عاشوراء بعيداً عن المذهبية

آراء

يحيي مئات الملايين من المسلمين الشيعة حول العالم هذه الأيام – كما هو متعارف عليه سنويا – ذكرى فاجعة كربلاء ومقتل سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب وأهل بيته عليهم السلام، ويثار حول ذلك كثير من النقاشات والجدل داخل الوسط الشيعي وخارجه.

لا شك أن من يقرأ التاريخ الإسلامي بموضوعية وتجرد، يرى أن نهضة الإمام الحسين كانت تهدف إلى إعادة بوصلة مسيرة الإصلاح والعدالة والمساواة في الأمة الإسلامية، والوقوف ضد الاستبداد والظلم والتسلط.

هذه الحركة الإصلاحية دعمت قيما إنسانية عليا، وقدمت نماذج بارزة وشاخصة في التضحية والفداء والعطاء من أجل مبادئ كبيرة من شأنها أن تسهم في فضح وتصحيح التجاوزات الناتجة عن الاستبداد.

لذا فليس من المستغرب أن تتحول هذه القضية إلى مصدر إلهام في الوجدان الإنساني بشكل عام، ومدرسة في النضال من أجل الحرية ومواجهة الاستعباد لكل من يدرسها بوعي وإنصاف. فقد كتب حولها كثيرون من المؤرخين والباحثين سواء من المسلمين أو غيرهم وتناولوا مختلف أبعادها وآثارها وانعكاساتها.

في هذه المرحلة تحولت مراسم إحياء عاشوراء إلى سبب للتباعد بين أطياف الأمة الإسلامية، وانحصرت قضية الإمام الحسين بين أتباع المذهب الشيعي، ولم تتجاوزهم مع كونها قضية إسلامية وإنسانية.

لعل السبب في ذلك أن الاختلاف المذهبي ساهم في تصنيف رموز كل مذهب وحصرهم لدى أتباعهم، ونفي رموز أتباع المذاهب الأخرى أو التقليل من مكانتهم ودورهم. كما أن حالة التقوقع والانغلاق على الذات الناتجة عن أسباب ذاتية وخارجية ساهمت أيضا في التقليل من فرص التفاعل المتبادل فكريا واجتماعيا.

فعلى الرغم من أن هناك خطابا ثقافيا تنويريا متناميا يقدمه نخبة من الخطباء في موسم عاشوراء كل عام، وفعاليات وأنشطة اجتماعية وثقافية وإنسانية تتواكب مع إحياء هذه المناسبة في كل مكان، إلا أن مستوى التفاعل معها محدود على الصعيد الإعلامي والثقافي.

ولا تخلو بعض القراءات والممارسات في عاشوراء من مبالغات وخطب تؤجج توترات مذهبية، وقام عديد من المفكرين الشيعة بنقدها واعتبارها دخيلة على أصل إحياء المناسبة وأن تلك الممارسات بذلك تبعدها عن أهدافها الإنسانية السامية.

من المهم الانفتاح على هذه القضية والتعرف على أبعادها وفعالياتها المتنوعة، وتبادل الحوار حولها بين مختلف المثقفين وعلماء الدين للبحث عن المشتركات بدلا من جعلها قضية خلافية بين المسلمين تتعزز مع مرور الزمن.

فماذا لو شارك عالم دين من أهل السنة في الحديث عن أهل البيت في مجلس حسيني، وماذا لو شارك خطيب شيعي بالتعريف بقضية الإمام الحسين في مجلس ما بالرياض أو جدة؟ بدلا من تبادل اتهامات وأساطير بين الطرفين قد لا تمت إلى الحقيقة بصلة.

إن من سبل التعارف والتواصل بين فئات وأطياف المجتمع، التعريف بما تحمله كل فئة أو مجموعة معينة من أفكار وثقافة وتراث ليكون سبيلا لفهم أفضل وتعايش أجمل.

المصدر: صحيفة الشرق