سكينة المشيخص
سكينة المشيخص
كاتبة وإعلامية

قنبلة اليابان النووية ونحن

آراء

في خضم إعادة اليابانيين لبناء بلادهم عقب الحرب العالمية الثانية، وحصولهم على ثورة تقنية وصناعية ضخمة بدأت بالترانزستور لم يكن يوجد ياباني واحد يوافق على أن يحصل على إجازة أسبوعية ليس طمعا في المال والكسب بقدر ما هو الإحساس بقيمة ما يفعلونه من أجل أنفسهم وبلادهم ووفاء لمن دمرتهم القنبلة النووية في هيروشيما وناجازاكي.

لقد صنعوا الحاضر والمستقبل بإرادة وطنية حقيقية، علّموا أنفسهم معنى بناء الدولة التي اهتمت من جانبها بالتعليم وحرصت على أن يتعلم كل ياباني كفريضة مجتمعية ووطنية.

تلك اليابان التي كانت حتى وقت قريب ثاني اقتصاديات العالم ومن أكثرها تطورا وازدهارا لا تزال رائدة وكأنها كوكب وعالم آخر من الالتزامات العملية والوظيفية والإنسانية، ولا تزال من خلال التفاني والنزاهة والشفافية تقدم درسا عالميا وبشريا مفتوحا في الإرادة الوطنية وبناء الأمم، وهناك من استفاد من تطبيقاتها ونجح، فهي ألهمت دول النمور الآسيوية فنهضت ماليزيا المجاورة لها، وكذلك سنغافورة وتايلاند وحتى الصين استلهمت منها، فما الذي يمكن أن يفيدنا من التجربة اليابانية؟

الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد “نزاهة” أصدرت أخيرا تقريرا لها تناولت فيه تسيّب موظفي الدولة الذي ربطته بثلاثة عوامل رئيسة : اجتماعية وتربوية وتنظيمية، والسؤال : لماذا التسيّب أصلا طالما أن كل موظف عليه واجبات والتزامات تجاه الدولة والوطن والمجتمع؟ لمن يترك تلك الواجبات؟ ومن الذي يؤديها بالانابة عنه؟ ولماذا يدخل مصالح الناس والبلد في نفق ضيق لأنه يأتي متأخرا أو يغادر مبكرا أو ربما لا يأتي أصلا؟ إذا كانت اليابان التي لا تدين بالإسلام الذي يؤكد على قضاء الواجبات وتنفيذها بإتقان ومسؤولية، وذلك أمر موجود في كتب المرحلة الابتدائية ثم لا نجد من يلتزم فمعنى ذلك أن هؤلاء المتسيبين كانوا عابري سبيل في المدارس لم يفهموا أو يعوا أو يتأهلوا عقليا ونفسيا للواجبات والمسؤوليات التي ترتبط بكسب الرزق وتجويد العمل.

تقرير “نزاهة” أشار الى أن أكثر أنماط الفساد الإداري انتشارا في الأجهزة الحكومية التسيّب الوظيفي، الواسطة، الرشوة، سوء استخدام السلطة، تبديد المال العام، الاختلاس، التزوير، الابتزاز المالي، الاحتيال، التحايل على الأنظمة والقوانين، والتسيّب نوع من الفساد الإداري، وكل ما تلاه من المنظومة الفاسدة لا يبني وطنا ولا يصل به الى أدنى حالات التجربة اليابانية، فكيف نتحدث عن نهضة إذا كان من يبنون غائبون؟ كيف يكتمل البنيان ولا أحد يبني؟ من ينفذ خطط ومشاريع الدولة والحكومة إذا كان لا يوجد من يبني؟ ما يحدث عكس حالة اليابان التي نهضت عقب قنبلة نووية، فيما نزرع بأنفسنا قنبلة نووية داخلنا لتدمر بلادنا.

المصدر: صحيفة اليوم السعودية