محمد الرطيان
محمد الرطيان
أديب وصحفي سعودي

كائنات هلامية!

آراء

(١)
هل أنت كائن ديمقراطي؟!
نعم، السؤال مُوجّه لك أنت يا مَن تقف عند علامة التعجب تلك!
هل وُلدت ديمقراطيًّا، أم أنك وجدت المفردة “الديمقراطية” على قارعة الطريق، أو في إحدى الكتب وأعجبتك، أو صحوت من النوم -فجأة- ووجدت نفسك كائنًا ديمقراطيًّا، أم أنك تشكّلت معرفيًّا وتراكم لديك الوعي حتى أصبحت هذا الكائن الديمقراطي؟!
الديمقراطية -هذه المفردة الساحرة والجذابة- ما الذي تعنيه لك: الأخذ، أو العطاء؟ أو الاثنين معًا؟
أن (تأخذ) حقوقك تعني: أن (تعطي) الناس حقوقهم.. هل هذا ما تفعله؟
أن يكون لصوتك قيمة يعني: أن يكون لبقية الأصوات (حتى التي لا تحب سماعها) قيمة.. هل هذا ما يحدث معك؟

(٢)
هل الديمقراطية تهبط من السماء.. فجأة؟!
لا.. إنها تنمو على الأرض.
هل لديك -كفرد- الأرض الصالحة للحرث والزرع والسقاية؟
هل ستقبل الزهرة التي ستنمو أيًّا كان شكلها ولونها ورائحتها.. أم أن هنالك زهرة وحيدة وفريدة -تعجبك وحدك- تظن أن شجرة الديمقراطية ستنبتها لك حسب مواصفاتك وذوقك العام؟!

(٣)
أنا، وأنت، والكثير غيرنا، نعشق “الديمقراطية” هذه الكلمة الساحرة، ونظن أنها ستحل الكثير من المشكلات، لأننا -وببساطة- نرى المنجز منها لدى مجتمعات سبقتنا إليها.

الديمقراطية: نتيجة.. وليست سببًا.
صنعها تراكم معرفي، ووعي، وإنتاج، وفنون، وثقافة تحترم الإنسان أيًّا كان لونه ومعتقده وأفكاره المختلفة.
فهل -أنت- بهذا الشكل؟ تحترم المختلف، وأفكار الآخرين، والنتائج التي لا تروق لك والتي ستصدرها لك الديمقراطية.. أم تتخيّل ديمقراطية أخرى لا تُشبه أحدًا سواك، ولن تأتي لك إلا بأشباهك؟!

(٤)
يا من تحلم بالديمقراطية: ما هو موقفك من المختلف معك مذهبيًّا؟
ما هو موقفك من الإنسان -كإنسان فقط- بعيدًا عن كل الاختلافات بينك وبينه؟
أتخيّل إجابتك التي صنعها تاريخك وثقافتك واعتزازك بعرقك وفكرتك الواحدة!
إذًا، كيف تحلم بالديمقراطية، وأنت كائن لا علاقة لك بها.. بل أنك -دون وعي منك- تحاربها وترفضها!

(٥)
أنا، وأنت: كائنات هلامية، تحاول أن “تتشكل” بشكل مختلف..
الربيع العربي جعلنا نظن أننا كائنات ديمقراطية!
ثرنا على المستبد، ولا نزال نعيش الاستبداد الذي صنعه.
والجماهير التي نزعت المستبد القديم تشارك الآن بصناعة مستبد جديد!

المصدر: صحيفة المدينة