كتاب «امرأة سبقت عصرها»للدكتورة رفيعة غباش

آراء

أصدرت الدكتورة رفيعة غباش، منذ قرابة عام، كتاباً أطلقت عليه اسم «امرأة سبقت عصرها» تناولت فيه سيرة والدتها المرحومة السيدة عائشة بنت حسين لوتاه، التي اشتهرت باسم عوشة بنت حسين، وعوشة كما هو معروف تصغير لاسم عائشة في المجتمع الإماراتي والعُماني.

وقد فعلت الدكتورة رفيعة، حسناً، بتخليد اسم السيدة والدتها التي كانت إحدى أهم النساء البارزات في المجتمع الإماراتي، باعتبارها سيدة أعمال مرموقة وسط بيئة قلّما كان يلاحظ فيها أي دور للمرأة في أعمال التجارة والسوق التجاري في مستهل النصف الثاني من القرن العشرين.

ولعلّي أنا، كاتب هذه السطور، أحد أكثر من دخل في معاملات تجارية تتعلق بشراء وبيع الأراضي التي راج سوقها كثيراً مع السيدة عائشة عندما تأسست دائرة الأراضي والأملاك أو (الطابو) كما سُمي في بدء أمره، في أواخر الخمسينات من القرن العشرين، حيث حُددت أبعاد الأراضي والأملاك ومساحاتها، وعُملت لها خرائط ورسومات توضيحية ومستندات التملك، بعد أن كانت معاملات انتقال الملكية تُجرى وفق عقود ورقية عادية يكتبها البائع والمشتري بينهما بشكل بدائي، وأصبحت دبي الأولى في الأخذ بهذا النظام؛ نظام حصر الأملاك وتسجيلها بشكل رسمي وقانوني في الإمارات.

وبسبب النشاط الذي عمّ سوق الأملاك والأراضي، واتساع رقعة العمران والمباني، اتسعت أيضاً أعداد المتعاملين والتجار في مجتمع دبي، وظهر تجار ينافسون تجار الدكاكين، وأدت هذه التجارة إلى بروز أصحاب أموال جدد.

وأذكر أن أحد المتعاملين في الأملاك في تلك الأيام وافته المنية، وقدرت ثروته من التعامل في الأراضي بخمسة ملايين روبية، وكانت هذه الملايين حديث المجالس في تلك الأيام التي كان فيها عهد الناس بالملايين من النقود غير مألوف في السوق التجاري العادي.

ونعود إلى كتاب الدكتورة رفيعة غباش «امرأة سبقت عصرها»، وهذه المرأة هي والدتها السيدة عائشة حسين لوتاه التي كما قُلنا، من سيدات الأعمال الخليجيات القلائل في وقتها، اللاتي اقتحمن مجال العمل التجاري في سوق الأملاك، وقد عُرفت السيدة عائشة رحمها الله، في السوق التجاري بالاستقامة والوفاء بالالتزام، وهما صفتان حميدتان وعاملان أساسيان في إحراز النجاح، وكسب السمعة الحسنة في السوق وفي المجتمع الذي يعيش المرء بين ظهرانيه.

وفي الصفحات الأخيرة من كتابها، تجرّنا الدكتورة رفيعة نحو مواقف من العواطف الجياشة التي كانت تنتابها وهي ترافق والدتها، في رحلة العلاج إلى الولايات المتحدة، وبعد العودة وأثناء اشتداد ما كانت تعانيه والدتها من مرض، ورحيلها عن الدنيا، رحمها الله.

وفي هذه المواقف، تثبت الدكتورة رفيعة ما كانت عليه من بِرّ بأسرتها ووالدتها، وبأسلوبها الشائق والأخاذ تجعلنا الدكتورة رفيعة شأنها شأن المرموقين من الكتّاب نشاركها في كل ما طرحته في كتابها من أفراح وأتراح.

والكتاب (امرأة سبقت عصرها) جدير بالقراءة واستيعاب ما فيه من معلومات ومعرفة عن امرأة لا نذهب بعيداً إن أسميناها بالعصامية التي جعلت لنفسها جاهاً ومالاً وتجارة في مجتمع، كما قلنا، يقتصر فيه البروز المالي والتجاري على الرجل، وكان من النادر أن يُشار إلى امرأة أو أنثى كسيدة أعمال في ذلك الوقت، وهو الستينات من القرن الماضي.

ونعود إلى الدكتورة رفيعة غباش الأستاذة والأكاديمية التي تحتل مكانة بارزة في المجتمع الخليجي اليوم بنشاطها الدؤوب من أجل رفعة شأن المرأة الإماراتية، وما مشروعها المتميز (متحف المرأة) الذي أقامته في دبي إلا دليلاً على هذا السعي، الذي يعد وحيداً في منطقة الخليج؛ بل ربما في العالم العربي وفي أماكن أخرى، وقد سبق لكاتب هذه السطور أن كتب مقالاً مختصراً عن هذا المتحف، ونشر هذا المقال في جريدة «الخليج» يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

المصدر: الخليج