هاني الظاهري
هاني الظاهري
كاتب ومستشار إعلامي.. مؤسس مجموعة تسويق الشرق الأوسط للاستثمار.. رئيس مركز الإعلام والتطوير للدراسات

كسل الشيوخ «فتنة»

آراء

أثر بالغ تركته كلمات خادم الحرمين الشريفين التي وجهها لعلماء الدين الممثلين لـ«المؤسسة الدينية الرسمية» في المملكة، حين انتقد كسلهم في تبيان الحق للناس حول الفتن التي تتربص بالبلاد والعباد وعلى رأسها «التطرف الديني» الذي يحوِّل البسطاء والصغار من أبناء الوطن إلى إرهابيين وقتلة في ظل دعوات التضليل والتغرير بهم بشعارات دينية مزيفة.

معاتبة «المؤسسة الدينية الرسمية» بهذه الصرامة وأمام العدسات ليست مشهداً معتاداً في السعودية، لكنه الشكل الوحيد المتناسب مع خطورة الوضع السياسي والثقافي والأمني الذي تعيشه الأمة هذه الأيام، فالخَطْب جلل والدماء تُغرق شوارع المدن في الدول من حولنا، والاتجار بالشعارات الدينية بلغ أوجه بشكل غير مسبوق عبر التاريخ الحديث، حتى بات الخوارج «الشواذ» كما وصفهم «الملك» يعيثون فساداً في الأرض من دون رادع من المجتمع الدولي الذي اتخذ موقف المتفرج على ما يحدث في سورية والعراق واليمن وليبيا، وهو ما يعني أن صمت علماء الدين الآن «فتنة» تصطف بمحاذاة الفتن الأخرى، فكتمانهم للعلم الذي هو أمانة في أعناقهم خيانة لله ولرسوله ولعامة المسلمين، ولاسيما أن دعاة ومشايخ الضلال والتحزب والإرهاب لم تهدأ ألسنتهم عن التحريض والتضليل والتغرير بالعوام لتمزيق الأمة.

خلال السنوات القليلة الماضية فقد السعوديون ثقتهم في دعاة الفضائيات ونجوم «الكاسيت الديني» الذين أسقطتهم ثورة وسائط نقل المعلومات وعلى رأسها شبكات التواصل الاجتماعي، فشاهدوا بأعينهم الشيوخ يتسابقون مع الفنانات في شراء المتابعين، ويمارسون الكذب علانية لتحقيق مكاسب حزبية وفق أسلوب «حدثني أحدهم»، حتى باتوا مجالاً لسخرية الصغير قبل الكبير، ولذلك فإن هؤلاء لا يُعول عليهم، وهنا يبرز دور العلماء الثقات الممثلين للمؤسسة الدينية الرسمية ليوجهوا العامة ويكونوا سداً منيعاً في وجه مروجي التطرف والفكر الضال المتسترين بعباءة الدين، ذلك لأن الثقة فيهم كبيرة شعبياً، بجانب أنهم نتيجة قربهم من دائرة صنع القرار على اطلاع جيد بما لا يمكن لغيرهم أن يطلع عليه من جوانب سياسية وأمنية تؤثر كثيراً في استقرار الوطن وأمنه، وهذا ما يجعل العتب عليهم كبيراً.

ويجدر بي هنا أن أشير إلى أن كلمة الملك التي وجهها للأمتين العربية والإسلامية بمناسبة عيد الفطر تطرقت إلى أمر بالغ الأهمية وهو عدم جدية المجتمع الدولي في السير نحو تأسيس «المركز الدولي لمكافحة الإرهاب»، وهو ما يضعنا أمام مطلب ملح داخلياً سبق أن دعوت له، وهو تأسيس هيئة وطنية عليا لممارسة هذا الدور بمشاركة فاعلة من كبار العلماء، ورجال الوطن المخلصين، فالفكر الضال وإن حاولنا التقليل من شأنه وشأن أتباعه، تمكن خلال سنوات طويلة من اختراق مؤسساتنا الرسمية من وزارات وهيئات، وسط صمت رهيب من مسؤوليها، بل إننا نشاهد يومياً على شبكات التواصل تغريدات مروجي الحزبية والتطرف من منسوبي بعض الأجهزة الحكومية للأسف، فهذا أستاذ جامعي وذاك من منسوبي الوزارة الفلانية، من دون أن يكون هناك تدخل من أي جهة لردعهم ومحاسبتهم، وإن استمر ذلك، بهذه الوتيرة فأمامنا مستقبل مظلم لا أحد يتمناه لهذا الوطن، حمى الله السعودية وشعبها من كل شر.

المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Hani-El-Dahari/3966515