كيف أصبحت إستونيا قصة نجاح

آراء

في العقد الأخير، أصبحت دولة إستونيا واحدة من أهم المحطات التي تسعى دول العالم للتعلم منها، والاستفادة من خبراتها، خاصة في مجال التحول الرقمي والحكومات الذكية، كما شمل التطوير فيها بالدرجة الأولى مجال التعليم والشركات الناشئة، وقد حظيت إستونيا، وهي دولة صغيرة، تقع على بحر البلطيق في شمال أوروبا باهتمام عالمي، لقصة نجاحها الرائعة في جوانب مختلفة، بدءاً من التكنولوجيا والابتكار إلى التعليم والحوكمة. فعلى الرغم من حجمها وتاريخها المتواضع، تمكنت من تحقيق إنجازات مثيرة للإعجاب، جعلتها مثالاً ومزاراً للمقارنات المعيارية والتعلم المؤسسي واستشراف المستقبل.

تعد التكنولوجيا والابتكار الرقمي من أبرز المجالات التي تميزت فيها إستونيا، حيث بدأ التزام الدولة أن تصبح «مجتمعاً رقمياً» أو Digital Society منذ عام 2000، ما أدى إلى إنشاء بنية تحتية رقمية فعالة. ولقد أدى تنفيذ خدمات الحوكمة الإلكترونية، مثل التوقيعات الرقمية والتصويت عبر الإنترنت والسجلات الصحية الإلكترونية إلى تحسين خدمات المواطنين، وإلى زيادة شفافية الحكومة، وتقليل أوجه القصور والبيروقراطية.

واكتسب نهج إستونيا الرائد في مجال الأمن السيبراني شهرة دولية، خاصة مع إنشاء مركز التميز للدفاع الإلكتروني التعاوني، التابع لحلف الناتو في العاصمة تالين، وقد أكسب هذا التركيز على التكنولوجيا إستونيا لقب «إستونيا الإلكترونية» أو e-Estonia، ما يدل على براعتها في استخدام الحلول الرقمية لتعزيز مختلف جوانب الحياة اليومية.

علاوة على ذلك، أسهمت إنجازات إستونيا التعليمية بشكل كبير في نجاحها، حيث يرتكز نظام التعليم في البلاد على التفكير النقدي والإبداع والقدرة على التكيف منذ سن مبكرة، ويتم تشجيع الطلاب على استكشاف موضوعات متعددة التخصصات، والمشاركة في خبرات التعلم العملية، وكنتيجة لذلك احتلت إستونيا المرتبة الأولى في التقييمات الدولية، مثل برنامج التقييم الدولي للطلاب PISA، حيث سبقت إستونيا الدول الأوروبية كافة وبصفة مستمرة ومتتالية، ما يؤكد فعالية نهجها التعليمي، وانعكس استثمار الدولة في التعليم إلى تنمية القوى العاملة الماهرة، وعزز أيضاً ثقافة الابتكار التي تواصل نجاحها في مختلف المجالات.

يعتبر التحول الاقتصادي في إستونيا شهادة أخرى على نجاحها، فبعد استقلالها عن الاتحاد السوفييتي في عام 1991، شرعت البلاد في رحلة الإصلاح الاقتصادي، من خلال الإدارة المالية الحكيمة والاستثمار في البحث والتطوير وتعزيز بيئة الأعمال الداعمة، لذلك تمكنت من جذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتطوير بيئة جاذبة للأعمال والابتكارات بشكل يشجع على جذب الاستثمارات، بل دعمها أيضاً. كما تحتل مرتبة عالية في المؤشرات العالمية المتعلقة بحرية الصحافة، وسهولة ممارسة الأعمال التجارية، والخدمات الصحية والحكومية بشكل خاص، وجودة الحياة بشكل عام. في حين أن رحلة إستونيا نحو النجاح جديرة بالثناء، لكن لم تخلُ الرحلة من التحديات التي واجهتها في السنوات الأولى من استقلالها، فمثلاً لم تتوافر السلع الغذائية لفترات طويلة، وعانت البلاد مشكلات اقتصادية طاحنة، ومع ذلك فإن قدرة إستونيا على تحويل المحنة إلى فرصة تؤكد مرونتها وتصميمها، ولاتزال هذه الدولة الصغيرة تواصل إلهام الأفراد والحكومات على حد سواء، للسعي لتحقيق التميز، فالتميز هو أسلوب حياة، سواء للأفراد أو المؤسسات أو الدول.

المصدر: الامارات اليوم