محمد فاضل العبيدلي
محمد فاضل العبيدلي
عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.

كيف نبني وجهات نظرنا؟

آراء

في مقال له حول «عاصفة الحزم»، عرض رئيس تحرير عربي معروف لميزان القوى بين طرفي الحرب، في جزئية تتعلق بسلاح الجو اليمني، عندما شبهه بما كان لدى سلاح الجو الأفغاني عشية الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001 ضد حكم حركة طالبان.

نقل رئيس التحرير في مقاله عن وزير دفاع أفغاني سابق، انضم لاحقاً لحركة «طالبان»، قوله «إن سلاح الجو الأفغاني يتكون من حوالي 14 طائرة من نوع (ميغ – 17) السوفييتية، التي جرى تصنيعها قبل الحرب العالمية الأولي، وجميع هذه الطائرات المتهالكة غير قادرة على الطيران، باستثناء 4 طائرات فقط..».

وفي فقرة تالية، وبعد عرض قصير عن القوة الجوية السعودية والخليجية، كتب: «بينما ينحصر دور سلاح الجو اليمني الذي لا يقل تهالكاً عن نظيره الأفغاني في الاستعراضات البهلوانية الجوية».

استوقفتني في تلك الفقرتين معلومتان، لأنهما – بتفسير حسن النية – «تنقصهما الدقة». فمقاتلات «ميغ – 17»، لم تنتج قبل الحرب العالمية الأولى، بل حلق أول نموذج لها عام 1950، وبدأ إنتاجها الفعلي اعتباراً من عام 1953. أما القول بأن سلاح الجو اليمني «ينحصر دوره في الاستعراضات الجوية»، فهي أيضاً معلومة تنقصها الدقة.

وطالما أن الأمر كان يتعلق بالمقارنة بين المقاتلات التي تملكها دول الخليج في مقابل «سلاح الجو اليمني» وإجمالاً بين التحالف الخليجي/العربي وقوات الحوثيين، فلقد كنت أفترض (وأي قارئ)، أننا نحتاج لمعلومات دقيقة، لكي نبني وجهة نظر دقيقة حول ميزان القوى بين أطراف هذه الحرب.

وبمزيد من حسن النية، افترضت أن رئيس التحرير أراد أن يقول بفقرته تلك إن «لا مجال للمقارنة». لكن إذا سايرنا هذا الافتراض، سنجد صعوبة في تقبل الأمر بمعلومات خاطئة، رغم جرعة الهزل فيهما، لأن هناك قناعة ستبنى لدى القارئ بناء على هذه المعلومات.

في ما خص سلاح الجو الأفغاني الذي ورثه نظام طالبان عن النظام الذي سبقه، وهذا عن نظام نجيب الله، فإن تهالك المقاتلات وقدمها وعدم توفر قطع الغيار، لا يمكن أن تجعل عام صناعة «ميغ 17» يعود إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، أي ما قبل عام 1914، لأن إنتاجها بدأ فعلاً عام 1953.

فقبل الحرب العالمية الأولى كانت روسيا القيصرية (وليست السوفييتية)، تنتج مقاتلة اسمها «إيليا موراميت» بإشراف مصمم الطائرات البولندي إيغور سيكورسكي.

أما القول إن سلاح الجو اليمني «ينحصر دوره في الاستعراضات» الجوية، فهو يحتاج لمعلومات، لكي تجعل القارئ قادراً على الحكم ما إذا كان دوره فعلاً ينحصر في الاستعراضات الجوية أم المهمات القتالية. لم تكن هناك أي معلومات تسند ما ذهب إليه رئيس التحرير، لهذا، فإن المعلومة تفتقر للدقة تماماً.

المعلومات المتوافرة حول سلاح الجو اليمني، تشير إلى أنه يمتلك 77 مقاتلة روسية من طراز «ميغ 21» و«ميغ 29»، إضافة إلى 11 مقاتلة من طراز «إف 5» الأميركية. أما القاذفات، فهي حوالي 65 من طراز «ميغ 23»، ومن طراز «سوخوي 22».

أما المروحيات القتالية، فيصل مجموعها إلى 42 مروحية، منها «ميل ماي 8»، وهي مروحية نقل وهجوم، و«ميل ماي 14»، وهي مروحية نقل ومضادة للغواصات، و«كاموف كا 27»، وهي مروحية نقل بحري ومضادة للغواصات. أما المروحيات الهجومية، فهي 24 مروحية، منها «ميل ماي 24» و«ماي 35»، إضافة إلى 12 طائرة أميركية بدون طيار من طراز «سكان إيغل».

أما ألوية الدفاع الجوي، فهي تضم منظومات صواريخ سام الروسية من «سام 2» إلى «سام 9»، إضافة إلى صواريخ محمولة على الكتف من طراز «ستريلا 2» ومضادات أرضية من طراز «زد 23 – 2 » و«زد 23 – 4»، التي تعمل بالرادار والمحمولة على الدبابات، إضافة إلى مدافع «بوفرز» السويدية.

مع معلومات كهذه، ورغم ما يبدو تواضعاً نسبياً ظاهراً في هذه الطرازات من المقاتلات أو قدم بعضها، لا يستقيم القول إنها تصلح للاستعراضات، ففي أسوأ الافتراضات، وبالمقاييس العسكرية، فإن مثل هذا المقاتلات والمروحيات تملك، قدراً من الفعالية القتالية، لا يمكن التهوين من شأنها.

وثمة معلومة ناقصة في ذلك المقال، هي أن سلاح الجو هذا لا يديره أفراد مليشيات الحوثيين، بل جنود نظاميون من ألوية ووحدات الجيش الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح.

وأياً كانت وجهة النظر المطروحة في ذلك المقال، فهي وجهة نظر كاتبها، وله علينا احترام حقه في التعبير عنها، ولست هنا لأجادل في وجهة نظره أو بالأبعاد السياسية للحرب، بل حول القواعد المهنية الصحافية بالدرجة الأولى. كيف نقدم للقراء معلومات خاطئة، ونحن بصدد برهنة صواب وجهة نظرنا أو المجادلة بخطأ وجهة نظر أخرى؟

لقد نقلت التصحيح حول المعلومتين لصديق، فنقل لي جواباً من صديق آخر نصه: «ومَنْ يهتم – Who cares?». هذا الجواب وما ورد في المقال، ينقلنا إلى المشكلة الأكبر المتعلقة بالعرب: لا يهتمون للمعلومة، ولا يبنون وجهات نظرهم وآراءهم بناء على معلومات، بل على عواطف مسبقة. هذا ما يفرض لهذا الحديث تتمة ضرورية.

المصدر: البيان
http://www.albayan.ae/opinions/articles/2015-04-07-1.2348620