خليل علي حيدر
خليل علي حيدر
كاتب كويتي

كيف نخرج من ورطتنا؟

آراء

«ما الحل وما المخرج من الوضع الحالي في العالم العربي إذن، في الوقت الذي يتزامن فيه انهيار الدولة في عالمنا العربي مع انتشار الإرهاب وتفشي التطرف»، يتساءل القارئ الكريم عبد الرحمن العلي في تعقيب له بالإنترنت على مقال لي، ويضيف: «هل الخلل في المجتمعات أم في الحكومات أم في الدين نفسه؟».

ثم يقول: «أنا من المتابعين لمقالاتك منذ أكثر من عشرين سنة، أتمنى أن أسمع رأيك حول هذه القضية خصوصاً وأن لك رؤية استشرافية.. لماذا التطرف عندنا يزداد على الرغم من مئات المؤتمرات والندوات والدعوات والمبادرات وحوار الأديان و…. هل نحن جادون فعلاً في مكافحة التطرف؟ هل نحن صادقون فعلاً في الدعوة إلى الاعتدال والتسامح؟ كم عدد المسيحيين في العالم العربي قبل خمسين عاماً وكم عددهم الآن؟ ألا يكشف ذلك نفاقنا وزيف ادعائنا؟». (الوطن الإلكترونية، 24-07-2014).

للأستاذ الفاضل والقارئ المتابع الذي اعتز به، جزيل الشكر والتقدير ولا شك أن أسئلته العميقة مثارة منذ فترة في أذهان الكثير من القراء والكتاب، وهي تطرح نفسها اليوم بالحاج لما تشهده ظروفنا من مآس وانتكاسات وأزمات، من ليبيا إلى اليمن.

ولقد ناقش الكثير من الكتاب والمؤلفين «الواقع العربي»، وبذل المفكرون جهوداً مضنية في البحث عن مخارج للأوضاع المتردية، وعقدت الندوات، كما أشار الأخ عبد الرحمن، وصدرت الكتب، ولكن ما نحن فيه يزداد تردياً.. فما العمل؟

لا توجد للأسف إجابات مختصرة مقنعة جامعة مانعة لكل ما نثير من أسئلة، ولكن لا بد من التركيز على بعض الجوانب والملاحظات منها:

1- العالم العربي ليس دولة واحدة مثل تركيا أو إيران أو باكستان مثلاً. إنه أكثر من عشرين دولة مختلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، كما لا تتطابق كل أولوياتها ولا تتشابه كل مشاكلها.

2- من الخطأ في اعتقادي تجاوز هذا الواقع أو تجاهله، كما يرى القوميون والإسلاميون. وسواء تم تقسيم العالم العربي وفق مخططات أجنبية أم جرى ذلك وفق مسيرة التاريخ العربي الحديث والمعاصر، فإن علينا احترام هذه الدول والحدود والشعوب، وأن نشجع كل ما نستطيع من أدوات ووسائل التقارب بينها على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي وغير ذلك. ففي تجربة توحيد أوروبا فشلت تجارب الألمان العسكرية البروسية والنازية، بينما ازدهر الاتحاد الأوروبي المعاصر الذي تحتل فيه ألمانيا مكانة متميزة، دون إلغاء لدول الاتحاد الأخرى، مهما كانت صغيرة أو فقيرة نسبياً.

3- لا ينبغي الوقوف عند «إصلاح» التعليم في العالم العربي بل لا بد من تغيره من الأساس. ولا بد أن يشمل التغيير الأهداف والمناهج وطرق التدريس والمادة الدراسية وعقلية المدرس والإدارة. ولا بد من توجيه أهداف التعليم العام والتعليم العالي، إلى جانب محور الأمية ونشر الثقافة وتحديث المجتمع، نحو النهوض بالحياة الاقتصادية والإنتاجية، صناعة وزراعة وتجارة واستثماراً. ويمكن القول بصراحة إن التعليم في مختلف الدول العربية من أهم معوقات التقدم السياسي والثقافي والاقتصادي. ولا تزال مخرجات التعليم النظامي العام والتعليم الجامعي في دول مجلس التعاون الثرية، ودول أخرى كالعراق ومصر والجزائر، دون مستويات الكثير من الدول الحديثة، بل بعيدة كل البعد عن المدارس والجامعات الإسرائيلية مثلاً التي لا تمتلك ربع ثروات دول الخليج.

4- لكي ينطلق العالم العربي في مجالات التقدم على كل صعيد تحتاج أنظمته إلى الحرية في خمسة مجالات: الدستورية، والاقتصادية، والإعلامية، والفكرية، والأكاديمية. ويرى بعض الكتاب والمفكرين في العالم العربي، أن جوانب من تجارب النهضة الاقتصادية والتحديث في دول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وتشيلي، ومن قبل ذلك في ألمانيا الهتلرية وروسيا الستالينية، دلّت على أن الديمقراطية وبقية الحريات غير أساسية في تحقيق التنمية والتفوق الاقتصادي.

ولكن كيف نضمن في العالم العربي، إن أخذنا برأي هؤلاء، عدم انتشار الفساد وبروز الزعامات المتسلطة والانحراف السياسي؟ فالفساد ومحاباة الأقارب ونفوذ العشائر والقبائل والطوائف، وانتشار الواسطات والوجهات، من الظواهر الواسعة الانتشار في مختلف المجتمعات العربية، ومن المستبعد أن تتمكن أي تجربة جديدة من محاصرتها، وبخاصة في غياب الديمقراطية والمحاسبة وحرية الإعلام.

ولن تستقر مثل هذه الحريات في المجتمعات العربية ومؤسسات المختلفة بمجرد إقرارها دستورياً وقانونياً، بل لا بد أن يتقبلها المجتمع ويعتاد عليها، ويسود بين الجميع احترام الرأي وحرية الآخرين. وهذه كلها بحاجة إلى وقت واعتياد!

ولا تقف مشاكل المجتمعات العربية في قضية الحرية عند الفكر والإعلام، فحتى الحرية الاقتصادية والتفاوت الطبقي وبروز ثراء البعض قد يخلق انتقادات وصراعات ودعوات إلى «العدالة الاجتماعية»، بينما تتقبل مجتمعات آسيوية وغربية مثل هذه الفوارق وترى فيها حوافز للارتقاء المهني أو تحسين الأداء أو اكتشاف المواهب وغير ذلك.

5- يتساءل الكثيرون «لماذا يزداد التطرف عندنا على الرغم من مئات المؤتمرات والندوات والدعوات والمبادرات وحوار الأديان، وهل نحن جادون في مكافحة التطرف والدعوة إلى الاعتدال والتسامح»؟

والواقع أن الثقافة الدينية، وموقعها في الحياة والعادات والقوانين، من أكبر مشاكل الحياة العربية والإسلامية، أي مجتمعات العالم العربي والإسلامي والتجمعات الإسلامية في مختلف القارات. ورغم التأثير الشامل لتعاليم الدين الإسلامي على مجتمعات دول مثل إندونيسيا وتركيا وإيران وبنجلادش وغيرها، إلا أن تأثير الإسلام أعمق بكثير في المجتمعات العربية لأسباب تتعلّق باللغة العربية والتاريخ والموقع الجغرافي وغير ذلك.

ولقد برزت الفكرة القومية لبعض الوقت، وباتت تنافس الإطار والأساس الديني في الحياة العربية ولكن مكانتها تراجعت منذ هزيمة 1967 على الصعيد السياسي، ودخلت في صراع متصل منذ ذلك الوقت مع الثقافة الدينية. ونمت بعد تراجعها مختلف الجماعات الإسلامية في مجتمعات العالم العربي، وصارت تتنافس في التشدد والتحكم بأوجه الحياة.

فالدين في مجتمعاتنا غير مفصول عن السياسة، والشريعة لا تعترف بالقانون وحتى بالدستور إلا من باب المهادنة والمداهنة. ومن هنا، ففي كل بلداننا نظامان متوازيان لا يعترف أحدهما بالآخر ولا يعرف أحد أين يبدأ أحدهما وأين ينتهي الآخر. فثمة «ثنائية تشريعية»، حيث لا يجرؤ القانون على إعلان هيمنة الكلية على المجتمع، ولا تمتلك الشريعة خيوط السلطة اللازمة لإبطال القوانين المنافسة!

وتعيش مجتمعات العالم العربي في أطر قانونية متعددة المصادر والمرجعية والثقافة والجذور. قوانين عصرية غربية الأصل، وتشريعات إسلامية من دين الأغلبية، وأعراف وتقاليد محلية وقومية. ورغم أن لبنان مثلاً بمثابة أعرق تجارب الديمقراطية العربية، فإن شعبها يخضع في قوانين الأحوال الشخصية لـ 18 طائفة وتشريعا!

ويأتي نفوذ الجماعات الإسلامية، وما تذيع وتنشر من مفاهيم وأفكار «الإسلام السياسي»، على رأس مشاكل الاستقرار، في دول عربية كثيرة، بل العالم العربي كله.

والحقيقة أن سبب تنامي قوّة هذه الجماعات ليس بالضرورة الفقر والاستبداد وغياب الحريات. فأغلب هذه الجماعات لا تؤمن بالديمقراطية والفصل بين السلطات ومظاهر الدولة الحديثة والقانون الدولي لحقوق الإنسان وغير ذلك. والكثير من قياداتها ثرية جداً أو من نخبة المجتمع. ولا يعود تنامي نفوذ الإسلام السياسي وكثرة جماعاته إلى الفقر والاستبداد والبطالة وغير ذلك بالضرورة. ففي دول العالم الثالث أوضاع كثيرة مماثلة، ولا نرى بين المسيحيين والبوذيين مثلاً نفس الظاهرة. ومن هنا، فالمشكلة تكمن في الثقافة الدينية والفهم المتعصب الذي تروج له هذه الجماعات، وبخاصة كتب وأشرطة الإخوان المسلمين منذ 80 سنة!

ومن هنا فالحاجة ماسة إلى قيام الفقهاء وأساتذة كلية الشريعة وغيرهم بمناقشة النصوص الدينية والفتاوى التي تتداولها الجماعات الإسلامية، والرد عليها في ظل الواقع العصري ومصالح العالم الإسلامي.

وكذلك السماح بمناقشة هذه المفاهيم صراحة في الكتب والصحف وأجهزة الإعلام، وإفساح المجال لمن دافع ومن عارض، وعقد الندوات التي تنير أذهان الشباب.

المصدر: الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=80620