عمار بكار
عمار بكار
كاتب و أكاديمي متخصص في الإعلام الجديد

لماذا يكره الشباب الجديد التعب والانتظار والقيود؟

آراء

لم تزدهر دراسات الأجيال وصفاتها كما ازدهرت في العقد الأخير من الزمن، والسبب في الغالب هو أن العولمة وثورة المعلومات خلقت صفات مشتركة بين الأجيال في كل مكان في العالم، بينما في السابق كان الجيل يتأثر كثيرا بالظروف المحلية للمكان الذي ينشأ فيه، وتكون اختلافاته عن الجيل الذي سبقه محدودة.

عالميا، هناك حاليا دراسات عن “جيل إكس” (Generation X)، الذي تتراوح سنوات الولادة بالنسبة له بين الستينات والسبعينات الميلادية، وجيل واي (Generation Y)، الذي تتراوح سنوات الولادة بالنسبة له بين الثمانينات وأواخر 2003، أي أنهم حاليا الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 10 سنوات إلى أوائل الثلاثينات من العمر. هذا الجيل يسمى أيضا بجيل الألفية Millennials، وذلك ببساطة لأن العقد الزمني الذي تلى عام 2000 يمثل المرحلة التاريخية التي صاغت صفات هذا الجيل.

تسارُع التغيرات في حياة البشرية منذ ظهور الإنترنت، أظهر الحديث عن هذين الجيلين بالذات؛ لأنهما كانا من عاش ثورة المعلومات والتحول السريع بسرعة قطار يدهس كل من يقف أمامه نحو “القرية العالمية”، وبينما يمثل جيل أكس الجيل الذي صنع الثورة المعلوماتية، فإن جيل الألفية هو الذي طورها واستخدمها وصنع الشبكات الاجتماعية، وكان أول جيل ينشأ وفي منزله كمبيوتر وربما أجهزة موبايل. أما المستقبل فهو ملك لجيل زد (Generation Z) الذين تقل أعمارهم اليوم عن 10 سنوات.

فهم صفات جيل الألفية يمثل أولوية عالمية اليوم على عدة مستويات، المستوى السياسي إذ يتعامل السياسيون والحكومات مع جيل يملك القدرة الهائلة على التواصل والتجمع والوصول للمعلومات والتأثير من خلال الشبكات الاجتماعية، وتتعامل الشركات مع جيل مختلف في قراراته الشرائية، بينما يتعامل المثقفون والمفكرون مع جيل يسعى حثيثا لاختصار ثقافته في تغريدة قصيرة أو صورة سناب شات تمسح بعد قليل.

بالنسبة للعالم العربي، فهذا الجيل هو الذي يبحث عن التغيير، جيل لا يحب القيود، ويتطلع دائما إلى خارج الحدود، وارتباطه بإرثه الثقافي والفكري الكلاسيكي محدود! استكشاف صفات جيل الألفية عربيا شديد الأهمية؛ لأن كثيرا من الدول العربية وعلى رأسها السعودية لديها هرم سكاني يتربع فيه الشباب كنسبة أعلى مسيطرة كميا. رغم هذا فالدراسات قليلة جدا عن “جيل الألفية” بكل أسف، وذلك في مقابل عدد خرافي من الدراسات الغربية.
هنا بعض النتائج المثيرة للانتباه عن جيل الألفية من استعراض بعض هذه الدراسات:

• التكنولوجيا والطفرة الاقتصادية في أوائل النشأة جعلت جيل الألفية لا يحب التعب والانتظار، يتوقع أن يكون كل شيء متوافرا، متى ما أراده، ولا يحب التوفير وتأجيل الاستمتاع بالحياة.
• بسبب ذلك، فمعدل الديون للفرد في هذا الجيل في معظم دول العالم أعلى من معدل الديون لدى الجيل السابق.
• جيل الألفية أيضا أكثر تفاؤلا بالمستقبل وتطلعا له، ولكنه أقل تخطيطا للمستقبل مقارنة بالجيل السابق، وينتظر مفاجآت أكثر في حياته، كما أنه يكره التخطيط الروتيني للحياة العملية والاجتماعية.
• إحدى الدراسات سمت جيل الألفية بجيل “بيتر بان”؛ لأنه يسعى في كثير من الأحيان إلى تأجيل انتقاله من مرحلة المراهقة للنضج والبلوغ. هناك زيادة عالمية واضحة في عدد السنوات التي يقضيها الفرد مع أسرته قبل أن يخرج من البيت إلى بيت مستقل، وهناك اعتماد أكبر بكثير على الأبوين في تسيير شؤون الحياة.
• بسبب ذلك، ظهر مصطلح “الأبوان الهيلوكبتر” (Helicopter Parents)؛ وذلك لأن الأب والأم صارا مثل الهيلوكبتر دائما يحلقان فوق رؤوس أبنائهما من خلال الانتباه والتدخل في تفاصيل حياتهم حتى آخر سنوات الجامعة وربما بعدها.
• من الناحية الدينية، جيل الألفية هو في مختلف بقاع العالم أكثر تحررا، وأكثر بعدا عن المؤسسة الدينية التي لم تستطع فهمه، وأقل اهتماما بفهم الأفكار العميقة والتفصيلية وراء الأديان، وأقل قبولا للعبارات الجازمة التي لا تقبل النقاش. بالمقابل فإن نسبة الإلحاد في كثير من دول العالم ومنها أميركا انخفضت مع جيل الألفية الذي لا يحب الأفكار الفلسفية كثيرا أيضا.
• هو أيضا جيل يميل بشكل واسع لقبول التعددية، سواء الدينية أو العرقية أو الفكرية، ولا يبالي بالاختلافات كثيرا، ومستعد لبناء صداقة عبر الشبكات الاجتماعية مع أي شخص مهما كان مختلفا عنه.
من جهة أخرى، هو جيل لا يحب فكرة “المقاطعة الكاملة” لما يرفضه من مؤسسات ودول وأفكار.
• من الناحية الفكرية، جيل الألفية جيل شديد المثالية، يكره الفساد، ويحب الجودة العالية، ويعشق الأفكار العملية والإنجازات، ويؤمن بالتغيير السريع للمجتمع، ومستعد للتضحية بنفسه من أجل ذلك، وإذا كان هذا ظاهرا في بعض الدول العربية في السنوات الأخيرة، فهو أكثر ظهورا في الغرب.
• من الناحية العملية، هو جيل يبدل وظائفه كثيرا ويتوقع الكثير من مكان العمل ويمل بسرعة، ولا يحب كثيرا فكرة العمل المجهد والشاق، لكنه ـ من ناحية إيجابية ـ يحب التفاعل في مكان العمل والمشاركة والأفكار الجديدة والإنجازات السريعة.
• هذا لا يعني أنه جيل محظوظ في حياته العملية، بل هو جيل يعاني كثيرا في إيجاد وظائف مقارنة بالجيل السابق في مختلف دول العالم.

هذه النتائج هي الأكثر شيوعا في الدراسات الغربية، وبعضها لا ينطبق على كل الدول، وهناك دائما حالات مختلفة، ومساحة للاختلاف معها، فهم جيل مختلف تماما عن الجيل الذي سبقه ليس بالمهمة السهلة التي يمكن حسمها تماما.
سأعود للموضوع بتفاصيل أخرى في أسابيع قادمة إن شاء الله.

المصدر: الوطن أون لاين